النسخة الكاملة

الخصخصة أم مشاركة القطاع الخاص؟

الأحد-2019-09-15 05:02 pm
جفرا نيوز - جفرا نيوز- كتب وزير المياه والري السابق حازم الناصر   "ما الذي یصلح لقطاعات المیاه في المنطقة العربیة؟"
لا تزال الغالبیة العظمى من مرافق المیاه في العالم العربي تدار من قبل الحكومات او مرافق المیاه التابعة لها مثل الوزارات ومؤسسات المیاه والشركات العامة. 
وقد حاولت المنظمات الدولیة والخبراء الاستشاریون ومصارف التمویل الدولیة على مدى السنوات العشرین الماضیة تشجیع الشراكة ما بین القطاع العام والخاص والتي تضم خصخصة مرافق المیاه مع دعم أقل لمشاركة القطاع الخاص ویرجع ذلك أساسا إلى السیاسة الطویلة الأجل المتصلة باستبعاد او اخراج تعرفة المیاه من أیدي الحكومات ضمن برامج التصحیح الاقتصادي التي یرعاها صندوق النقد الدولي وینفذها البنك الدولي بالتعاون مع الدول المانحة والممولین الدولیین.
ومن أجل التمییز بین مشاركة القطاع الخاص والخصخصة في هذا المقال، فقد تم وضع المصطلحین في مجموعتین تحت الإطار العام للشراكة ما بین القطاع العام والخاص (PPP :(المجموعة الأولى والتي تمثل مشاركة القطاع الخاص (PSP) ،حیث تبقى ملكیة الأصول في أیدي الحكومات أو القطاع العام ویتم التعاقد مع القطاع الخاص للقیام باعمال نیابة عن الحكومات ومرافق المیاه العامة.
 اما المجموعة الثانیة او ما یسمى بالخصخصة فیتم نقل الملكیة كاملة او بشكل جزئي إلى القطاع الخاص بما في ذلك الأصول والتملك والتحكم الكلي بالمرفق. 
ومن الامثلة المعروفة من النوع الأول  (PSP) العقود المیكرویة او الصغیرة لجمع الفواتیر وقراءة عدادات المیاه، وعقود الخدمة لتشغیل محطات تحلیة المیاه والصرف الصحي وعقود إدارة المیاه للمرافق العامة.
ویشمل النوع الثاني (Privatizatio حقوق الامتیاز (Concessions) وال (BOO) البناء والتملك والتشغیل) و BOOT) البناء والتشغیل (نقل الملكیة) والشركات المختلطة وغیرها من نماذج التملك بما فیها عقود الایجار طویلة الامد. 
ولتسهیل الامر على القارئ فقد تم استخدام مصطلح ثالث " الشراكة ما بین القطاع العام والخاص"لیشمل النوعین أعلاه.
 ومن ناحیة أخرى، فإن خصخصة مرافق المیاه والبنى التحتیة الأساسیة للمیاه والصرف الصحي تعتبر عملیة في غایة التعقید تنطوي على مخاطر سیاسیة واجتماعیة، وفي حال عدم الاعداد الجید وعدم الشفافیة، فمن الممكن ان تنطوي على سیاسیا على مستوىً مخاطر مالیة كبیرة تؤثر على موازنات الدول لسنوات طویلة. 
وعادة ما تكون الخصخصة قرارا الدولة ولیس على مستوى الوزارات او مؤسسات المیاه العاملة في القطاع، الا انه وفي معظم الحالات تتطلب الخصخصة تغییر القوانین والتي تحتاج الى تكاتف وموافقة العدید من مؤسسات الدول. 
ولا بد من الإشارة هنا انه وفي حالة الاقتناع بجدوى الشراكة مع القطاع الخاص ولضمان نجاح أي من النوعین او بشكل عام الشراكة ما بین القطاع العام والخاص، فلا بد ان یواكب عملیة الشراكة برامج لتوعیة المواطنین قبل الشروع باي من مشاریعها وشرح الأسباب الموجبة والضرورة التي جعلت أصحاب القرار المضي او القبول بها. 
الا انه وبنفس الوتیرة لا بد من توعیة موظفي القطاع العام (البیروقراط) على كیفیة التعامل مع إجراءات الشراكة ما بین القطاع العام والخاص حتى لا یكونوا معطلین في ظل شفافیة الإجراءات.

في هذه المقالة تم استخدم ثلاث مصطلحات مختلفة: الشراكة ما بین القطاع العام وتشمل الخصخصة ومشاركة القطاع :* الخاص ویعتبر كلا النوعین من الشراكة ما بین القطاع العام والخاص وسیلة لتعزیز الكفاءة أو بعبارة أخرى خفض التكالیف والخسائر المالیة وصیانة الأصول واستدامتها. 
وتعتبر الخصخصة أداة لاستقطاب أموال واستثمارات القطاع الخاص في ظل الازمات المالیة التي تعاني منها موازنات الكثیر من الدول وتتیح في حال التخطیط المالي الجید والمدروس اتاحة ً وضرورة والتي من الصعب تنفیذها من قبل القطاع الموارد المالیة الأخرى للدولة لتنفیذ مشاریع هامة وأكثر الحاحا الخاص اما لعدم جدواها الاقتصادیة او لحساسیتها السیاسیة.
 ویبقى الموضوع بید الحكومات من حیث توخي الدقة في اختیار المشروع المنوي تنفیذه من قبل الشراكة ما بین القطاع العام والخاص وفي جمیع الأحوال لا بد من الابتعاد عن خصخصة شبكات المیاه أو مصادر المیاه الرئیسیة والتي اثبتت فشلها من الارجنتین الى الفلبین.
وقد اظهرت النتائج والدروس المستفادة من جمیع أنحاء العالم حول نجاعة كلا النوعین من الشراكة ما بین القطاع العام والخاص نتائج متباینة، فقد ثبت انه لیس بالضرورة ان یكون القطاع الخاص دائما أكثر كفاءة من القطاع العام او القطاع الخاص الدولي أفضل من الوطني، كما وان العدید من مشاریع الشراكة ما بین القطاع العام والخاص لم تحقق نتائجها كما كان متوقعا ویعزى ذلك الى رداءة الحاكمیة الرشیدة او ضعف الأطر القانونیة. 
وعادة ما تكون شركات القطاع الخاص أكثر استعدادا للجانب القانوني في عقود الشراكة مع الحكومات، الا ما قل وندر.
وفیما یتعلق بمنطقتنا، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا وهي المنطقة التي تعتبر الأكثر ندرة في المیاه في العالم، حیث یوجد 17 بلدا تحت خط الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة، وتقل كذلك مواردها المائیة المتجددة المتاحة بستة أضعاف عن المتوسط العالمي.
 بالإضافة الى انها تعاني من اختلالات هیكلیك كبیرة وعمیقة منها على سبیل المثال فاقدً  والذي یعادل حجم البحر المیت بأكمله، مما یجعل منطقتنا المیاه من الشبكات والذي یتراوح ما بین ٤٠-٥٠ ٪ سنویا صاحبة المعدل الأكبر من حیث فاقد المیاه الفني والمالي على هذا الكوكب. 
كما وان كفاءة تقدیم الخدمات مع ارتفاع فاقد المیاه متدنیة وتعتبر مرافق المیاه الأقل تطورا مع بعض الاستثناءات مثل دبي وتونس والاردن. 
كما وان المشاكل الهیكلیة المتعلقة باسترداد الكلف والقدرة على تحمل الكلف الرأسمالیة المرتفعة نسبیا لتنمیة الموارد المائیة الشحیحة وعدم الكفاءة والقدرة على إدارة الأصول وصیانتها، یجعل الاستثمار الحكومي المطلوب من موازنات الدول یتجاوز القدرة المالیة لمعظم البلدان باستثناء الدول العربیة الغنیة بالنفط. 
ولعل هذه الأسباب هي التي اجرت العدید من  الحكومات الى التوجهً عن الاستثمار او لطلب الكفاءة.
للشراكة ما بین القطاع العام والخاص اما بحثا ونتیجة لذلك، فقد دخلت المرافق العامة للمیاه والصرف الصحي ودولها في المنطقة العربیة والشرق الأوسط بشكل عام حقبة حاسمة من حیث خطورة الأمن المائي والتنمیة المستدامة لمواردها المائیة على المدى الطویل، وبالتالي علیها أن تقرر، إذا ما كان بإمكانها تحسین أدائها بشكل كبیر وعاجل مع البقاء في القطاع العام أو ما إذا كان ینبغي علیها أن تسعى إلى زیادة مشاركة القطاع الخاص في كل من عملیات تنفیذ المشاریع وتشغیلها وتمویلها.
 وعلى الرغم من أن عددا قلیلا من شركات المیاه العامة تظهر سجلا جیدا في الأداء، فإن أداء معظمها ضعیف، ویعزى ذلك جزئیا إلى التدخل المفرط في عملیاتها الیومیة والسیاسات المالیة المتخبطة. 
ومن المرجح والممكن أن تؤدي مشاركة القطاع الخاص على نطاق أوسع إلى تحسین الكفاءة التشغیلیة وجذب التمویل الخاص وتحسین كفاءة الاستثمار مع الإبقاء على الاهتمامات الوطنیة والابتعاد عن مشاركة القطاع الخاص في المشاریع التي تثیر حساسیة سیاسیة او بعد اجتماعي-اقتصادي ذو طبیعة خاصة.
ً متأخرتان مقارنة مع باقي مناطق العالم من حیث وعلى الرغم مما سبق، لا تزال المنطقة العربیة والشرق الأوسط عموما عدد وحجم مشاریع الشراكة ما بین القطاع العام والخاص وخاصة في مجال المیاه والصرف الصحي، 
ویبقى السؤال: لماذا تتردد المنطقة العربیة في التحرك بقوة أكبر نحوا الشراكة ما بین القطاع العام والخاص بنوعیهاالخصخصة ومشاركة القطاع الخاص. 
الجواب بسیط، كلا النوعین من مشاركة القطاع الخاص یتطلب حاكمیة رشیدة جیدة والتي من المعروف انها غیر جیدة وردیئة في معظم أنحاء بلدان الشرق الأوسط وشمال أفریقیا. 
وبالإضافة إلى ذلك، فإن التصور او الفكرة المأخوذة في ثقافتنا عن الشراكة ما بین القطاع العام والخاص ترتبط دائما بالفساد وانعدام الشفافیة وهیمنة الشركات الاجنبیة وهذا الذي یتطلب الكثیر من الوعي العام والتثقیف. 
كما ان تنفیذ مشاریع المشاركة یتطلب وقتا طویلا وخاصة الجانب المتعلق بالغلق المالي والذي ینظر له السیاسیون انه انجاز مستقبلي للغیر ولیس لهذه الحكومة وبالتالي یقل الاهتمام والرعایة.
الا ان قرار الدخول في مشاریع الشراكة ما بین القطاع العام والخاص یبق رهینة للعدید من العوامل التي تأخذ بعین الاعتبار من قبل السیاسیین والحكومات ومؤسسات المیاه وهذه العوامل تسهم الى حد كبیر في عدم الاقبال او الدفع باتجاه الدخول في مشاریع الشراكة ومنها على سبیل المثال مسألة استرداد الكلف أو بعبارة أخرى قرار تعرفة المیاه لما له من حساسیة سیاسیة واجتماعیة كبیرة للغایة والمسألة العامة وعملیة إدارة وإجراءات إحالة مشاریع الشراكة بما في ذلك الشفافیة وتغییر التشریعات والكلف المترتبة علیها على المدى الطویل وغیرها.
وإذا ما اخذنا بعین الاعتبار العوامل والتحدیات والمعیقات سابقة الذكر وبالأخص ان ازمة المیاه أصبحت على الأبواب ولا بد من رفع كفاءة ادارتها والمحافظة على أصول البنیة التحتیة الحالیة وبنفس الوقت جلب تمویل إضافي من القطاع ً لمنطقتنا؟ الخاص، ویبقى السؤال: ما الذي من الممكن ان یكون مناسبا بدایة وقبل كل شيء، علینا أن نمیز بین البلدان الغنیة بالنفط وبقیة بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا. 
فالبلدان الغنیة بالنفط وبشكل عام تتمیز نسبیا بإدارة جیدة للمیاه ودور وسیادة القانون أفضل من غیرها والتمویل التقلیدي متوفر بشكل أفضل نسبیا من بقیة المنطقة العربیة، كما وان الحساسیة السیاسیة لزیادة التعرفة المائیة لیست شدیدة كما هو الحال في بقیة دول المنطقة العربیة. 
ولذلك یلاحظ ان مشاریع الخصخصة تعمل بشكل أفضل وعددها أكبر وكما والحال في معظم مشاریع محطات تحلیة المیاه في المملكة العربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة.
 ومن الأمثلة الجیدة الأخرى كذلك محطة الصلیبیة لمعالجة میاه الصرف الصحي في الكویت. اما مشاریع مشاركة القطاع الخاص، فهناك مئات من الأمثلة على عقود التشغیل والصیانة وعقود الادارة والشركات المشتركة، والتي یبدو أنها تعمل بشكل جید على الرغم من ارتفاع قیمة العقود في بعض الحالات.
اما بقیة الدول العربیة مثل الأردن ومصر وتونس  والمغرب والعراق، الخ، فلا بد من التوجه التدریجي نحو مشاریع الشراكة، ولیس القفز مرة واحدة دون ان تكون البنیة المؤسسیة لمرافق المیاه متهیئة للدخول بها.
 فمن الممكن البدء بمشاریع استشاریة للانتفال من المعایر المحاسبیة الحكومیة الى التجاریة وإدخالمبادئ استرداد الكلف ولو جزئیا مثل كلف التشغیل والصیانة. 
كما أن مثل هذه العقود الاستشاریة ستمهد الطریق لجمع بیانات أكثر دقة عن العملاء وإدخال نظم المعلومات الجغرافیة، وتغییر العدادات وخاصة لكبار المستهلكین بعدادات ذكیة وانظمتها المتكاملة وانظمة الفواتیر وبناء القدرات وما إلى ذلك.

اما الخطوة التالیة فهي الانتقال للاستعانة بمصادر خارجیة وطنیة او دولیة لخدمات العملیات الصغیرة مثل الفوترة وعقود التشغیل والصیانة لمحطات معالجة میاه الصرف الصحي ومحطات تحلیة المیاه.
 ان هذه الاعمال التحضیریة ستمكن الوزارات ومؤسسات المیاه الانتقال بثقة وقوة مؤسسیة إلى المزید من عقود الإدارة والخدمات بالشراكة مع القطاع الخاص.

اما في حال ان توفرت الحاجة للتمویل من قبل القطاع الخاص جنبا الى جنب مع رفع الكفاءة ونقل التكنولوجیا هو القاعدة في هذه البلدان، فلا بد من الانتقال التدریجي إلى عقود البناء والتشغیل ونقل الملكیة، شریطة ان تكون هذه المشاریع لیست ذو حساسیة سیاسیة لقضایا تعرفة المیاه كما هو الحال في مشاریع الصرف الصحي وتتطلب حاكمیة رشیدة بشكل رئیسي على مستوى المشروع.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير