عبيدات "العدل قبل الحكم"
الخميس-2011-10-09

جفرا نيوز - جفرا نيوز- أكثر من أشكالية يطرحها ظهور رئيس الوزراء السابق الجنرال أحمد عبيدات في الحراك الاحتجاجي الشعبي الذي نلاحظه في الاردن ، فعبيدات من بين أولئك الذين ينطبق عليهم وصف " بهلوانية السياسة " فهو منذ عقود طويلة عمل في السلك الامني وتنقل حتى وصل الى رتبة مدير للمخابرات العامة في الاردن ، ومن بعدها عين رئيسا للوزراء .
من الطبيعي أن يمارس أي مواطن أو شخصية عامة حقه في الاحتجاج السياسي ، و أن يعلو صوته في وجه الفساد و الظلم و القهر و العنف السلطوي ، و أن يطالب بزمن سياسي ديمقراطي أصلاحي ، و أن يدعو الى العدالة و الحرية و رفع الظلم ، و الاستبداد ، ولكن ما يميز عبيدات عن بقية أطراف المعادلة السياسية المعارضة في الاردن ، هو أرثه في السلطة ، و أنتقال بارودته من صف السلطة الى واجهها ، و كأن المسألة لا تتعدى البحث عن أدوار و نجومية و شعبية ظألة و فاسدة .
يتعالى عبيدات اليوم على تأريخه العرفي و القمعي في المؤسسة الامنية ، تجاهل دون أستدراك للدور القمعي الذي لعبه في تعنيف المجتمع السياسي في الاردن ، و كيف كان يدير المعادلة الامنية وفقا لحسابات جهوية بحتة ، و أنحياز قاسر للشمال الاردني على حساب بقية جغرافيا الاردن الممتدة في عمق و صلب عدالة وحكمة مؤسسة صنع القرار الاردني .
تاريخ عبيدات في السلطة ، هو تكثيف حي و دقيق لاشدة لحظات مارست بها الدولة قسوتها على المجتمع و الشعب في الاردن ، ولعل ما أمتاز به عبيدات من بين أقرانه في الفضاء السلطوي الاردني بانه حاضر على تمهيش و أقصاء المئات من الاردنيين ، والتأسيس لمعادلة جهوية في مؤسسات السلطة في الاردن ، و التبشير للجهوية الجغرافية التي التقطها كبار القوم من بعده ، وتناوبوا على تطبيقها في سياسة الدولة التنموية و الاستثمارية و الوظيفية " بلغة " المحاصصة " .
لا يستطيع أحد أن يمر على تاريخ الاردن الحديث ، و لا تاريخ السجن و القمع في الاردن ، دون أن تستوقفه تجربة هذا الرجل الذي كرس أعتى نموذج للتلسط و القمع في الامني ، و طاقته الدفينة التي تحولت بعدما أهلك و ضرب و عنف قسرا الاف من الاردنيين حولت اليوم واجهة بندقيته من الضرب في وجه السلطة و للمساس في المقدس السياسي الاردني و في الثوابت الوطنية الراسخة ، للمناورة على بدعة الربيع العربي و الطوفان في ضوربها الاستشراقية التأمرية .
تجربة عبيدات في السلطة و المعارضة تتقاطع في صورة واضحة و جلية مع نموذج الفوضى المدمرة التي أبتدعها الرئيس المخلوع معمر القذافي ضد شعبه ، فهو يخاصمهم ، و يقمعهم ، و يعلو صوته فوق أصواتهم للمنادة بالحرية و العدالة و الاشتراكية و حقوق الانسان و الدفاع عن هويته ووطنيتهم الليبية ، فهلاء يعيشون داخل دائرة من التناقض السياسي النفسي القاسي ، يحيا متمظهرا بشكل و أسلوب ، و ينام موهوها في برج عالي ليراقب الناس بفوقية و علو سياسي و طبقي لاعتقاده أن يعلو على نموذجهم الاجتماعي المنحط .
يسير بين الجماهير مادا يده لهم ، و صارخا بصراخهم ، و لكن تدوي بنفسه نفحات من القمع ، و البحث عن أمل للعودة الى دور الشرطي و الرقيب و الحسيب ، و الجلاد ، ولكن هذه المرة أختلفت الادوات فهو يحاسب مجتمعا بكامله حينما يحول "فاكسه" الذي تدفع الدولة فاتورته الشهرية التي بوق للصراخ الداعي للاحتجاج ضد الدولة ، و الخروج عن ولاية الامر ، و التهكم على المقدس السياسي الاردني .
لم يخرط ببال عبيدات وهو يحمل رايات الاصلاح السياسي في الاردن ، أن يصطدم كفته بكتف الزعيم اليساري المخضرم يعقوب زيادين الذي سجل عبيدات بحقه أول حالة أيذاء و أعتداء جسدي عندما صفعه " كفا " في وسط دائرة المخابرات العامة ، و كأن بذلك حرف الجهاز عن مساره الرشيد والحكيم و القويم في أدارة ملفات الاعتقال السياسي في الاردن .
فلو جراء ما جراء ، و نزل زيادين الى الشارع ، و تزامل مع عبيدات في العمل السياسي الاحتجاجي ، و تجالسا على طاولة الحراك لصياغة بيان سياسي ضد السلطة ، بأي لغة سيكتب و بأي ذاكرة أو موروث سياسي يمكن أن يصاغ ، من سيستعين في الاخر لاكمال الافكار ، ومن أمثال عبيدات من كثر أولئك الذين عايشوا أنقلابات متعفنة في عقولهم .
كلما أفلست المعارضة في الاردن ، وكلما أنخفضت درجة حرارتها السياسية في الشارع الاردني ، وكلما تقلص نفوذها ودورها ، فانها تلجأ الى أحياء الاموات من قبورهم ، و شرشفتهم بثياب الاصلاح و العدالة الاجتماعية و مكافحة الفساد ، و أنزالهم الى الشارع لعرضهم على قوافل الموت البطىء و لانقاذ ما تيسر من حضورهم المرفوض في الشارع الاردني .
أعتاد عبيدات ، أن يكون واجهة لتجاوز الخطوط الحمراء في السياسة الاردنية ، و ذهب الى الحد الاقصى في أستغلال اللحظة السياسية لمواجهة النظام السياسي في الاردن ، و أفرط في موجة الاحداث الاخيرة في التعبير عن مواقف مواقف سياسية أصلاحية لا تركب على قواعد مجتمعية سياسية في الاردن ، فهي أشبه بتجديف في فضاءات الخيال السياسي و أوهام " دنكشوتية " .

