النسخة الكاملة

ذكرى استشهاد المناضل أحمد مريود المهيدات

الخميس-2019-06-01
جفرا نيوز - جفرا نيوز - تصادف اليوم الذكرى الثالثة والتسعين لإستشهاد البطل الرمز المجاهد احمد مريود المهيدات  ففي الحادي والثلاثين من شهر أيار عام ١٩٢٦ قضى الشهيد البطل احمد مريود المهيدات في سبيل تحرير وطنه من نير الاستعمار الفرنسي البغيض ورفع راية أمته خفاقه في سماء الحريه وبهذه المناسبة يحق لنا ان نستذكر جزءاً ولو يسيراً من مسيرته النضالية والتي تحمل في ثناياها أعمق معاني الحب والاحترام والتقدير ، كيف لا وهو من الذين صدقوا ما عاهدوا عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ، فالشهيد البطل هو من القاده الذين حفظ الشعب العربي أسماءهم وحمل لهم اعظم معاني التضحية والفداء ومن الذين ناضلوا من اجل الوطن والامه مع ان تفاصيل حياتهم ونضالاتهم لا نجدها إلا بعد رحيلهم عنا، إما في مذكراتهم، وإما في مقالات ودراسات صحفية يقوم بمهمة كتابتها وطنيون حريصون على الحفاظ على ذاكرة الوطن والأمة، فظلوا في ذاكرة أهل الفكر والسياسة والإعلام فكتبوهم للتاريخ، لأنهم ابتعدوا عن ذاكرتنا، في زمن أشد ما نكون فيه حاجة إلى فتح الذاكرة وإحيائها من جديد.
ولد الشهيد أحمد مريود المهيدات في بلدة (جباتا الخشب) من الجولان السورية عام 1886، وهي على مقربه من منطقة الاقحوانه بلدتي ( كفرأسد وصيدور ) في لواء الوسطيه حيث الأهل والأقارب والعزوه ، والده الشيخ موسى بن حيدر بن مريود المهيدات وعشيرة المهيدات هي احدى عشائر قبيلة بني مهدي التي يرتد نسبها الى الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه والتي قبضت على زعامة البلقاء ردحاً من الزمن تجاوز اربعمائة عام فبعد خروج هذه القبيله من البلقاء انتقل قسم منها الى مناطق بيسان والحوله وضواحيها وانتقل اخرون الى مناطق الجولان ولبنان فيما استقر البعض في منطقة اربد / لواء الكوره وكانت الزعامة لهم لفتره طويله ثم انتقلوا بعد ذلك الى منطقة لواء الوسطيه / كفرأسد وصيدور.. 
إن الحديث عن البطل المناضل أحمد مريود المهيدات حديث عن شخصية ليست عادية فهذا البطل يعد مثالاً فريداً من نوعه على الساحة العربية كاملةً فهو بحق أحد أهم الرموز التي أبت الذاكرة العربية نسيانهم وقد أوجز المؤرخ محي الدين السفرجلاني شخصية أحمد مريود فقال فيه واصفاً: "شهيدنا العظيم هذا من آل مريود الكرام المنحدر من المهيدات الأسرة العريقة في السؤدد. من أنبل العوائل العربية ومن أُمراء البلقاء (مقاطقة شرقي الأردن) ذات الأصل الثابت لقد كان هذا الشهم على ذكاء نادر ونباهة فارقة ولقد تنبأ له معارفه بمستقبل مجيد وبمناصب سامية وكان يعمل على دراسة تاريخ أفذاذ العرب، فولع بذلك ولعاً شديداً ملك كل حواسه واستأثر بجميع مشاعره، وأقامت في نفسه فكرة تجديد العصر الذهبي للعرب، وأوقدت في فؤاده شعلة الشعور القومي فسرت مع الدم في عروقه، فانبرى للسياسة يعمل فيها وللوطنية يبحث قضاياها".
لقد كان المناضل أحمد مريود محط أنظار الزعامات العربية فكان قيادياً بارزاً في الجمعية العربية الفتاة.
وقد تحدث المؤرخ محمود عبيدات عن مسيرة حياة المناضل أحمد مريود المهيدات فقال: طلب المجاهد نبيه العظمة عقد جلسة خاصة لتنظيم إخراج المناضلين من البلاد الذين تلاحقهم سلطات الاتحاد التركيه وشارك في هذه الجلسة: أحمد مريود، نبيه العظمة، فاضل المحاميد، الحاج أديب خير، علي اغازلفوا، نسيب البكري، ومن الأردن الشيخ كايد مفلح العبيدات، حديثة الخريشة، سليمان السودي، وشارك في هذا اللقاء المجاهد أحمد الخطيب من مزارع شبعا اللبنانية. وتم الأتفاق أن تكون جباتا الخشب المحطة الأولى لإيواء الفارين من الملاحقة الأمنية، ويشرف أحمد مريود على تأمين حمايتهم ونقلهم خارج حدود الخطر، وأن تكون درعا المحطة الثانية ويشرف على حمايتهم الشيخ فاضل المحاميد وأن تكون كفرسوم المحطة الثالثة ويشرف على نقلهم إلى الحجاز الشيخ كايد مفلح العبيدات، بالتعاون والتنظيم مع الشيخ حديثة الخريشة وكانت الدفعة الثانية قائدها أحمد مريود، بالأتفاق والتنظيم مع الضابط المغربي العامل في الجيش الفرنسي عبد الرحمن المغربي.
وبعد أن انتهى الحكم التركي في بلاد الشام في 30 أيلول عام 1918 انطلق الشريف ناصر وأحمد مريود ومحمد الأشمر مع اشخاص بارزين من حي الميدان (جنوب دمشق) إلى السرايا وذلك لتسلم إدارة المدينة حيث كان للزعيم الوطني أحمد مريود المهيدات شرف أول من رفع العلم العربي في دمشق.
وأضاف المؤرخ العبيدات: في 3 تشرين الأول وصل الأمير فيصل إلى دمشق وكان دخول الجنرال البريطاني (اللنبي) إلى دمشق في اليوم نفسه وسرعان ما عقد بينهما أول اجتماع حضره كبار زعماء الحركة الوطنية وفي مقدمتهم أحمد مريود الذي أصبح الناطق الرسمي باسم ( الجمعية العربية الفتاه) تم فيه بحث الترتيبات العسكرية والسياسية والإدارية. 
وعندما صدر قرار سايكس بيكو اكتشف أحمد مريود أن هناك مؤامرة تقوم بها دول الإستعمار لتقسيم البلاد العربية وأن شعب فلسطين سيصبحون بدون أرض وذلك تنفيذاً لوعد بلفور لذلك عَمِلَ على تنظيم ثورة مسلحة ضد الفرنسيين بالإتفاق مع القائمقام علي خلقي الشرايري الحاكم العسكري في الجولان وبموافقة كبار الضباط في الجيش عٌرفت بثورة الجولان الأولى (1919-1920) وفي ذلك قال علي خلقي الشرايري: ويقضي الواجب أن أسجل بمداد الفخر والاعتزاز انضمام بعض المواطنين الأعزاء في سنجق عجلون إلى هذه الثورة فقد وصلت قوة إلى القنيطرة على رأسها القائدان: محمد علي العجلوني ومحمد الروسان ومن ضباطها أحمد التل وأحمد الروسان وقد تألفت هذه القوة من 30 فارساً من ناحية بني عبيد و 30 من الكورة و 30 من الوسطية و 2 من السرو و20 من الكفارات و 120 من جهات مختلفة وكان لوصول هذه القوة أثر بليغ في تقوية العزائم وإثارة الحماس وهذا هو اللواء الشمالي الأردني، ولديه العلم والنور والثورة والشجاعة. وفي 10 كانون الثاني 1920 تحركت جميع قوى الثورة واحتلت مرجعيون في غضون بضع ساعات.
وعندما تقدم القائد الفرنسي غورو باتجاه الأراضي السورية وتحديداً عند موقع ميسلون غربي مدينة دمشق وهناك وقعت المعركة واستشهد يوسف العظمة لجأ أحمد مريود ومعه المئات من الثوار إلى الأردن ولكن قبل قيام هذه المعركة جاء في مذكرات أحمد مريود قوله: إن فرنسا عازمة على فرض سيطرتها على البلاد وأن الجنرال غورو يحمل في جيبه كتاب التكليف بهذه المهمة وأن بريطانيا شريكة في المؤامرة ولم ينفع المراهنة عليها.. نحن أمام خيارين لا ثالث لهما. الخيار الأول: أن نستعد لمقابلة تهديد غورو وعلى جميع المستويات، بتقوية الجيش أولاً وبدعم الثوار ثانياً والخيار الثاني: قبول الذل والإذلال والإستعمار وبهذا الخيار نكون شركاء في التآمر على الأمة والوطن والإستقلال.
وحول لجوء أحمد مريود المهيدات إلى الأردن تحدث المؤرخ محمود عبيدات قائلاً: كانت منطقة شرقي الأردن يوم ذاك في وضع غريب إذ بالرغم من أنها تؤلف جزءاً من الدولة السورية (الفيصلية) إلا أن الفرنسيين لم يتقدموا لاحتلالها لاتفاقهم مع الانجليز في مؤتمر (سان ريمو) في نيسان 1920م بأن تخضع شرقي الأردن للانتداب البريطاني.
ولما لم يكن الانجليز في وضع يمكنهم من إحتلال الأردن، احتلالاً مباشراً، فقد تمتعت بحكم استقلال ذاتي وبذلك فقد أصبحت موئلاً لهم في الأيام العصيبة وجاء إليها كثيرون منهم: رشيد طليع، عادل رسلان وكامل القصاب وحسن الحكيم وخير الدين الزركلي، ورشدي الصفدي، ونبيه العظمة وسامي السراج وفؤاد سليم وغيرهم من المناضلين الذين رافقوا الملك فيصل إلى حيفا ثم عادوا إلى عمان.
جاء أحمد مريود المهيدات الى شرق الاردن ليشغل منصب معاون نائب العشائر وعضو مجلس المشاورين خلال الفترة 11 نيسان 1921 إلى 23 حزيران 1921م وذلك في حكومة رشيد طليع الأولى والثانية خلال الفترة (5 تموز 1921 إلى 5 آب 1921م) ثم جاء في وزارة مظهر أرسلان الأولى وذلك خلال الفترة (15 آب 1921 إلى 10 آذار 1922م) ليشغل منصب وزير معاون نائب العشائر. وأخيراً تسلم أحمد بك مريود المهيدات منصب معاون نائب العشائر خلال الفترة 10 آذار 1922 إلى 18/1/1923م وذلك في حكومة علي رضا الركابي الأولى .
ويضيف المؤرخ العبيدات قائلاً: بعد محاولة اغتيال الجنرال غورو والتي خطط لها ونفذها الشهيد البطل احمد مريود مع مجموعه من رفاقه والتي جرح فيها الجنرال غورو حيث أصيب بثلاث رصاصات ، ازدادت شكاوى الفرنسيين والانجليز معاً ضد الزعيم الوطني أحمد مريود المهيدات عند ذلك هددت سلطة الانتداب بقطع المساعدات المالية عن خزينة الدولة لأن الحكومة الأردنية لم تتخذ الإجراءات الحاسمة ضد رجال المقاومة ولم توقف أحمد مريود عن نشاطاته العسكرية ضد مواقع الجيش الفرنسي وكان رد الفعل عند أحمد مريود المزيد من العمليات القتالية ضد المحتلين والتخطيط لعملية جديدة مسرحها هذه المرة داخل مدينة دمشق فعقد لهذا الأمر اجتماعات حضرها صادق حمزة، أحمد البرازي، مصطفى الخليلي، خليل بصل، عبد المجيد النعيمي وتوفيق سنو وضيف الله الشبول وفي هذا الإجتماع تقرر زمان ومكان العملية بقيادة المجاهد مصطفى الخليلي وقد تم تنفيذ العملية في وضح النهار في سوق ساروجة وسط دمشق يوم 4 آب 1924 وتم قتل 11 عنصراً فرنسياً من بينهم ثلاثة ضباط وجرح 5 جنود وعادت المجموعة إلى قواعدها سالمة وعلى أثر هذه العملية قامت الحكومة البريطانية بتوجيه إنذار إلى الحكومة الأردنية التي قامت بدوها بالطلب من أحمد مريود ونخبة من زعماء الاستقلال مغادرة البلاد إلى الجهات التي يريدونها، فتوجه أحمد مريود وسامي السراج ومحمود الهندي والأمير عادل أرسلان إلى الحجاز وتوجه عثمان قاسم وفؤاد سليم وأحمد حلمي إلى مصر. ثم غادر أحمد مريود وجماعته الحجاز إلى العراق واستقر في مدينة (خانقين) بضيافة الملك فيصل بن الحسين بعد ذلك قرر أحمد مريود العودة إلى سوريا لتجديد شباب وحيوية الثورة السورية التي بدأت بالتراجع في نهاية عام 1925م.
وفي ليلة 21 آيار 1926 كان المناضل أحمد مريود المهيدات على موعد مع الشهادة حيث حركت فرنسا جيشاً كبيراً إلى جباتا الخشب وفي ذلك قال محي الدين السفرجلاتي: كانت كلمات المجاهد الكبير الشهيد أحمد مريود... اهجموا يا أسود... إلى الاستشهاد او النصر، كانت هذه الكلمات الثورية آخر كلمات وجهها إلى المجاهدين فسقط البطل وساد سكون المجاهد بعد العاصفة التي أثارها وبعد النار التي أشعلها ... إن الحبيب الفقيد قد خرَّ في هذه المعركة شهيداً بعد أن أفنى العشرات من أعدائه وبذلك انتهت حياة اسطوره من أساطير البطولة والفداء في بلاد الشام .
لم يكتفي المستعمر الفرنسي باستشهاد احمد مريود بل اخذوا جثمانه الطاهر الى ساحة المرجه وسط دمشق لوضعه امام الناس لإرهابهم وعلى سبيل التشفي ولكن دمشق قامت رجالاً ونساءً بنثر الزهور والورود على جثمان الشهيد ورفاقه وأبت دمشق إلا ان يكون احمد مريود ضيفها الدائم ودفن في مقبرة الدقاقه( قبر عاتكه )وهي احدى المقابر الدمشقية العريقه وأقيم له ولرفاقه مأتم شعبي وديني كبير 
لقد كان المجاهد أحمد مريود شخصية وطنية وقومية بارزة قدم الكثير في حياته من أجل نصرة قضايا الأمة العربية وخاصة وقفته ضد الظلم والاضطهاد الفرنسي في سوريا. وإن سجل الشرف والبطولة والكرامة العربية، ليفخر اليوم بهذا البطل الوطني والقومي، وهو ينضم إلى سجل الخالدين والشرفاء الذين وقفوا في وجه الاستعمار بكل رجولة وشجاعة ليقولوا للعالم أن في الأمة رجالاً على مستوى المسؤولية والتحدي للعدوان والاستعمار الغاشم.
وبهذه المناسبة لا يسعنا الا ان نترحم على روح الشهيد البطل وارواح رفاقه الشهداء سائلين المولى جل في علاه ان يجمعهم مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. انه ولي ذلك والقادر عليه .
اللواء المتقاعد / حسن المهيدات.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير