الأردن للفلسطينيين "نعمة" , والفلسطينيون للأردن أيضا "نعمة"
الإثنين-2019-02-11

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - شحاده أبو بقر العبادي
تحت هذا العنوان أعلاه , كنت كتبت مقالا قبل أكثر من عشرين عاما , وهو عنوان إستعاره زميل راحل رحمه الله , وكتب فيه بعد سنوات مقالا شبه مماثل لما كتبت آنذاك , تماما كمقال " معالي الشعب الأردني " والذي إستعاره أيضا المرحوم ذاته, وكتب مقالا تحته وبأسلوب مشابه في مرحلة لاحقة كان الكثيرون فيها , مولعون بلقب معالي , خلافا لواقع اليوم حيث خبا بريق المناصب كلها .
اليوم أرغب ثانية في الكتابة وبذات العنوان , منطلقا من قناعتين راسختين , الأولى, وجوب مخافة الله في كل ما نقول , والثانية , حتمية أن يكون الكاتب وفي كل زمان ومكان , عنصر خير إيجابيا يجمع ولا يفرق , إنسجاما مع قوله تعالى جل من قائل " ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء , تؤتي أكلها كل حين بأمر ربها , ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون " .
وعليه , أكاد أتخيل واقع الأردن العزيز من دون مواطنيه من أصل فلسطيني , وأكاد أتخيل في المقابل , حال الفلسطينيين المهاجرين من دون وجود الأردن , أو بتعبير أدق , من دون وجود الأنصار الأردنيين , وأترك للقاريء الكريم , وللأردنيين والفلسطينيين بالذات , أن يتخيلوا الأمر في حالة صدق وصفاء نفس ! .
لم أعش حقبة النكبة الأولى عندما جرى تهجير أهل فلسطين بسطوة الغزاة وجبروت أعوانهم المستعمرين , لكنني شهدت فتى , النكبة الثانية التي أسماها العرب نكسة , وعلى هوامش ما سمعت وما شهدت من واقع النكبتين , تكونت قناعتي تباعا , بأن الفلسطينيين هم مهاجرو العصر حقا , وأن الأردنيين هم أنصاره حقا , وليت كثيرا من الجيل الراهن اليوم , يزن هذه الحقيقة بميزان من ذهب !.
وأحفظ عن ظهر قلب وقد كنت طفلا ثم فتى من قاطني بلدة " الكرامة " , أول مخيم في المملكة ,كيف كان أهلنا جميعنا إخوة حقا لا رياء , وأعني بها أخوة أيام زمان على صفاء وصدق أصالتها , وليس عبثا مثلا , أن أخي الأكبر رحمه الله النائب الشيخ عبدالكريم أبو بقر , كان عمدة الكرامة ونائبها, قبل أن يكون عمدة عشائرنا, وكيف كنا نجهل تماما , أن يخطر ببالنا سؤال هذا أو ذاك عن أصله وفصله, كما نفعل اليوم ولسوء حظنا معا ! .
بالصوت العالي الذي لا يخشى في الحق لومة لائم , لا حياة كريمة مكتملة الأركان للفلسطينيين المهجرين مع دوام الإحتلال البغيض , إلا في الأردن جنبا إلى جنب مع إخوانهم الأردنيين , ولا حياة كريمة مكتملة الأركان للأردنيين مع دوام أسر فلسطين , إلا جنبا إلى جنب مع إخوانهم الفلسطينيين .
وإذا ما كانت الضفتان أيام الوحدة , وكما قال الراحل المجاهد الكبير المشير حابس المجالي رحمه الله , كطائر بجناحين يستحيل أن يطير بجناح واحد , فإن الأردنيين والفلسطينيين اليوم , كأسرة كانت تسكن بيتا من غرفتين سرقت أحداهما , وتسكن اليوم غرفة واحدة , هي المملكة الأردنية الهاشمية .
قالت لنا الأمهات والنساء الطاهرات , على بساطتهن التي يحبها الله ورسوله , وأخبرنا كبار السن من أهلنا الأخيار الذين ما عرفوا للكذب ولا للنفاق طريقا مذ ولدوا حتى قضوا خيرين طاهرين , أن العشائر والقبائل والعائلات الأردنية كلها بلا إستثناء, كانت ترى في النكوص عن نجدة ونصرة الفلسطينيين ضد الغزاة , نقيصة تطارد الأردني وذريته من بعده إلى يوم الدين , إن هو قاربها , وأن الفزعة والهبة للقتال في فلسطين شرف يطوق عنق المناضل المقاتل وعشيرته وقبيلته , وإلى يوم الدين أيضا.
وقالت لنا الأيام والسنون في المقابل , أن حزننا معا عام 1970 على صدام الجيش والمقاومة , كان سببه ومحركه, فتنة أشعل نارها عرب وأجانب إستحوذوا على الفصائل مغررين بها عربا, ومتجسسين عليها وعلينا أجانبا , وسعوا لتنفيذ أجنداتهم الشريرة من خلالها , لا حبا بفلسطين ولا بالمقاومة , وإنما حقدا وكرها بالأردن وبالمقاومة معا , وسعيا ظالما تماهى فيه الأعداء المتربصون بنا , مع عرب " أشقاء " , أرادوا إقتلاع الدولة الأردنية من جذورها , والهيمنة على الأردن وعلى الفلسطينيين معا , وهم الذين ما قدروا الفلسطينيين يوما حق قدرهم , كما قدرهم ويقدرهم الأردن وأشقاؤهم الأردنيون بقيادة الهاشميين الكرام .
لم يتنكر الفلسطينيون للأردن وللأردنيين أبدا , وإنما كافحوا وعملوا وإجتهدوا وأسهموا كثيرا في بناء الدولة , وظالم من لا يقر بذلك , ولسان حالهم هو حال ذلك الصحابي المهاجر مع محمد صلى الله عليه وسلم , إذ أكرمه شقيقه الأنصاري وإستضافه , وخاطبه وبشهامة وطيب خاطر ليقاسمه ماله وعياله , فقال شاكرا ممتنا , فقط دلني على السوق . ذاك المهاجر , هو فلسطيني العصر , وذاك الأنصاري , هو أردني العصر كذلك .
عشنا معا حتى الآن سبعين عاما ونيف , وكل حر واع مخلص لله الواحد الأحد ولعروبته ولدينه ولإنسانيته , هو على يقين تام من أن فلسطين لا مناص من أن تتحرر يوما, ولو بعد سبعين عاما ثانية وثالثة . فقط نحن وأجيالنا المتتالية من بعدنا , مطالبون بالترفع عن نقيصة الإقليمية البغيضة التي يرويها المحتل وحماته كشجرة خبيثة يريد تسميمنا بها كل يوم , وعيونه شاخصة إلى حيث نعيش اليوم بفقرنا ومعاناتنا جراء ظلمه ومن معه , من مروجي " الصفقات " , والذين يعتقدون وبعقلية تجارية , أن الأوطان سلعة تباع وتشترى , ولهذا أطلقوا على خطتهم " صفقة " ! , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
اليوم , كلنا أردنيون , ولا فضل لأردني على أردني إلا بالتقوى , ومن إتقى الله حق تقاته , صان الأردن الوطن وحماه , بهويته الوطنية مملكة أردنية هاشمية راسخة , وظل نصيرا صادقا لفلسطين بهويتها العربية الفلسطينية, داعما ومؤازرا للصامدين الابطال على ثراها الطيب , ولو بالكلمة إن أعوزته الحاجة , وعيوننا جميعا يجب ويجب ويجب , أن تظل شاخصة صوب فلسطين وقدس الأقداس وأقصاها وقيامتها , كي نحظى بمحبة الله ونلقى وجهه الكريم يوم اللقاء , فائزين بجنته , لا مطأطئين رؤوسنا إذ تنكرنا لا قدر الله .
أقسم بالله العلي العظيم صادقا بعونه جلت قدرته , أن أسعد وأهنأ لحظات عمري على قسوته , هي لحظات أمضيها عامدا مشتاقا في شرفة منزل ولدي الدكتور مازن حفظه الله هو وإخاه وأخواته , لأقابل أضواء القدس الشريف وجبال فلسطين الحبيبة ليلا , فأصمت وأتأمل وأرى في ذلك سعادة وعبادة , وتقربا إليه جل في علاه , ولولا أخشى أن أشق عليه وأسرته الصغيرة , لقلت له بادلني وأمك سكني , كي نموت متى شاء الله هنا قبالة القدس , لكنه ولدي فلن أحرمه متعة أريدها لنفسي !! .
خلاصة الكلام , لا كرامة لعربي , والقدس وفلسطين أسيرتان , ولا كرامة لعربي , والشعب العربي الفلسطيني مهاجر قسرا عن دياره , ولا كرامة لفلسطيني قد يقبل أو يساوم أو يتخلى عن فلسطين وبغيرها يرضى وطنا نهائيا , ولا كرامة لأردني لا يناصر وينتصر لفلسطين وشعبها الرازح تحت ظلم المحتل الغازي , وإلى أن يبزغ فجر التحرير بعون الله , فنحن هنا في هذا الوطن المبارك , أردنيون وبإمتياز, نحفظ للأردن عهده ووعده , عربا طيبين طاهرين مخلصين , ليس بيننا أصول ومنابت وفصول , فكلنا من أصل وفصل ومنبت عربي واحد , ومن عنده رأي آخر, فليتحسس مدى صدق عروبته وإنسانيته . ويقينا , فنحن الأردنيين والفلسطينيين لبعضنا اليوم وكل يوم , نعمة جاد بها الله على المستضعفين له وحده , من عباده الأخيار . والله من وراء القصد .

