وفاء السفير الكويتي لمعلمه
الأربعاء-2019-02-05 07:13 pm

جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب: رشاد ابو داود
ألو..مرحبا. أستاذ رشاد؟
كان الرقم من تلك التي توحي بأن المتكلم ليس عادياً. عشرة أرقام متشابهة ما عدا واحد او اثنين. وبطبيعتي لا أحب الارقام غير العادية. ليس لهيبتها بل لاني أحب الحياة العادية، أعني البسيطة ذات الدايت السياسي.
فكرت سريعاً، ولاني من أولئك الذين يتبعون احساسهم، قلت :
نعم رشاد. مين حضرتك ؟
قال : أنا أحد تلاميذك الذين علمتهم الصحافة في «الأنباء». عزيز الديحاني، السفير الكويتي في الاردن.
قلت بفرح طفولي : أهلااااااا عزيز. سلامات. كيفك. ولا أدري ماذا قلت أيضاً. لم تسعفني الكلمات التي كانت تتدحرج من فمي كحبات برتقال تتساقط من شجرة مثمرة عتيقة.
أعادني عزيز في لحظات خمسا وعشرين سنة الى الوراء الجميل. الى الكويت، بلاد العرب، نافذة الحرية، بلد الخير للجميع، ومسقط رأس أربعة من أبنائي شاءت الأقدار أن يكون رزق اثنين منهما في مسقط رأسيهما ليعودا و يعملا و يتزوجا وينجبا.
ذهبت الى الكويت أواسط السبعينات مدرساً للغة الانجليزية لسنتين ثم شدتني الصحافة من يد رغبتي وادخلتني الى بلاطها من باب الترجمة لسنتين ثم رئيساً لقسم المراسلين ثم رئيساً لقسم العربي و الدولي ومحررا للصفحة الأولى. وكان الفضل في تعليمي آنذاك لاستاذي الذي لا انساه المرحوم خالد قطمة وللاستاذ سمير عطالله، أطال الله عمره، الذي تأثرت بأسلوبه في الكتابة.
اتفقنا ان نلتقي في أقرب وقت. قلت له : متى يناسبك، وكيف وقتك ؟ قال : في أي وقت، أنا موجود في السفارة ومشتاق لك.
لدي حساسية من السفارات. فلم اذكر انني دخلت سفارة ما طيلة الاربعين سنة في مهنة الصحافة، سواء في الكويت او الامارات أو البحرين، اللهم سفارة بلدي الاردن أحياناً في عيد الاستقلال فقط. ليس تكبراً بل لأن بعض الصحافيين اساؤوا الى مهنة الصحافة ولأنفسهم وللسفارات أيضاً. اذ انهم يدخلونها ليس من باب المهنية بل من باب الاسترزاق !
بصعوبة وبالاستعانة بال «gps « استدليت على موقع السفارة. تعانقنا بحرارة، لكأن الواحد منا يعانق نفسه قبل خمس وعشرين سنة. ظلت يدانا متشابكتين حتى باب مكتبه. تحدثنا بعناوين عريضة عن حياة كل منا خلال تلك السنوات التي لم نر بعضنا خلالها. وكأن الأيام لم تمر بحلوها ومرّها.
أيامها، أوائل الثمانينات على ما أذكر، كان عزيز خريجاً جديداً.انضم الى أسرة «الانباء» شاباً مؤدباً جاداً محباً للصحافة، خلوقاً محباً للتعلم. في تلك الفترة كانت الصحافة بخير. نتعلم ممن سبقونا و نعلم ما تعلمناه بأمانة للاحقين بنا. بقي فترة في «الانباء» ثم التحق بوزارة الخارجية. ومنذ كارثة الغزو لم نعد نسمع عن بعضنا الا ما ندر.
أخبرني عزيز، الذي وجدته لم يزل عاشقاً للصحافة التي منها بدأ، أنه تدرج في المناصب سكرتيرًا أول ثم سكرتيرًا ثانيًا ثم سفيراً في ليبيا ثم القاهرة ثم أوزبكستان على ما اظن، ثم دمشق و الآن عمان.
كان اللقاء أخوياً حميماً.هذه هي الكويت التي عشت فيها خمس عشرة سنة لم تزل عروبية رغم جرحها العميق. هي التي تقف الان مع الحق العربي في فلسطين ويطرد رئيس برلمانها الوفد الصهيوني من المؤتمر البرلماني الدولي ويجبر وفداً آخر على مغادرة القاعة في الامم المتحدة. وها هو أميرها يضمّد جراح الخلافات العربية بحكمة عربية أصيلة وبأن لا قوة للعرب الا بنبذ خلافاتهم و بوحدتهم.

