عرب اليوم .. فتش عن الرجال في الصفوف الخلفية !
الإثنين-2019-01-28

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - شحاده أبو بقر العبادي
عرب العصر الراهن " صقلوا " بحوافر خيلهم النعمة , ورضوا طائعين متطوعين بدلا منها , بإستيراد النقمة , فلا هم عاشوا خير النعمة , ولا هم إستطاعوا تطويع النقمة , فقد كيفوها عروبيا وفق مفاهيم وثقافات عربية لا يمكن إنتزاعها من صدور الجيل , فزادت عليهم نقمة فوق نقمة , وضاعت بالتالي, هوية أصيلة جليلة أرادها الله لهم , وللبشرية كافة .
عرب العصر يعيشون زورا وعبثا , ثقافة حضارة غيرهم , وهم عاجزون عن فهمها وإستيعابها , ولسان حالهم في ممارسة ما يسمى " ديمقراطية " , هو كحال مسافر في طائرة مات طاقمها فجأة , وصار مطلوبا منه تدبر أمر قيادتها والهبوط بها بسلام إلى سطح الأرض ! .
لقد أراد " الله " سبحانه بالعرب خيرا , فجعل أرضهم مهبط الرسالات ومهوى أفئدة قاطني الكوكب من المؤمنين الموحدين , وإختزن لهم في باطنها وقود الحركة وللعالم كله , وجعل ظاهرها رفعة في التنوع , شمسا وظلا وجغرافيا وتاريخا وطبوغرافيا وأثرا ووسطية , لكنهم إختاروا الضعف بديلا للقوة , والتبعية بديلا للسيادة , وباعوا دينهم بدنياهم, إلا من رحم الله سبحانه .
كان العرب القدماء , من " أجاويد الله " حقا, وبالفطرة والطبع قبل التطبع , كرما وفروسية وجودا وشجاعة , لا بل وعلما كذلك, عندما كانت أوروبا أم ديمقراطية اليوم وليبراليتها وحقوق إنسانها, تغط في ظلام دامس , فقد أكرمهم الله بأول كلمة خاطب فيها " محمدا " صلى الله عليه وسلم , بقوله سبحانه " إقرأ " , لكن أمة إقرأ اليوم لا تقرأ , وإن قرأت فتلقينا لا تفكيرا, ومن أجل شهادة ومنصب ومال وجاه إجتماعي فارغ, لا حكمة ولا حصافة فيه .
كان أميو العرب قبل الإسلام وبعده , أفضل من عرب اليوم بكثير , " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام " , كان الحياء من الله أرقى شيمهم , كانوا قدوة لسواهم, في نصرة الحق , ونجدة الملهوف , والعفو عند المقدرة , والكرم والجود والسماحة والتسامح, وكل قيمة جليلة في الحياة .
كان العرب وما زالوا لو أرادوا , أهل رسالة عظمى دانت لها أعتى قوى الأرض قاطبة , دكت سنابل خيل أجدادهم , مشارق الأرض ومغاربها, تنشر النور حيث عم الجهل والضياع والظلام , كان كبيرهم رائدهم الذي لا يكذب أهله , يحترم صغيرهم كبيرهم , كان لهم سراة في كل حي , ولذلك صلح حالهم , كانوا رفعة في العدل وصدقا في البيعة , ولهذا فلم يكن كبيرهم هو من يقدم نفسه , بل كانوا هم من يزكونه ويختارونه , كان كل منهم يعرف منزلته , فلا يحاول تجاوزها , كانوا ينزلون الناس منازلهم , ولا يوسدون الأمر لغير أهله , ولهذا فقد عاشوا ومضوا وقضوا سادة , ومتبوعين لا تابعين .
عرب اليوم , ولسوء حظهم وحظوظ أجيالهم من بعدهم , تخلوا طوعا عن كل قيمة جليلة ومبدأ أصيل , وها هم متناحرون على الصف الأول , والصف الأول طاقته الإستيعابية محدودة , فتراجع كل حر حليم حيي إلى الصفوف الخلفية , وتقدم الرويضات والمنافقون المتزلفون , معظم الصفوف إن لم تكن كلها , وصح فيهم المثل القائل " فتش عن الرجال في الصفوف الخلفية " ! .
عرب اليوم , رواد للمساجد والكنائس في الجمع والآحاد وبكثرة لا مثيل لها , وأراهن ككثيرين غيري إن كان الكثيرون منهم يدركون حقا أنهم يقفون بين يدي خالق الكون ومعظم شأنه ومدبر أمره , ولسان حالهم يقول, أنهم إنما يؤدون طقوسا مفروضة, لا تلزمهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولا بتقوى الله في ما يقولون وما يفعلون ! .
عرب اليوم يتغنون بديمقراطية ليست من صنع أيديهم, وليبرالية هم عنها غرباء , وطقوس مستوردة تشكل ولو ظاهريا, نمط حياتهم , وهم يفهمونها بغير ما يفهمها ويطبقها صانعوها الأصليون , الذين يلعنهم العرب صباحا مساء, بينما ينتظرون عونهم ومنحهم ومنتجات عقولهم, وكل ما يصنعون, وعلى أحر من الجمر ! .
عرب اليوم , حرفوا حتى دينهم عن مقاصده العظمى, وقد أرادهم الله رسل محبة لنشره في سائر أرجاء المعمورة , فجعلوا تابعيه مجرمين إرهابيين قتلة أعداء للحياة في نظر العالم كله , وسلموا ذقونهم لأعداء الدين وخدموا غاياتهم الشريرة, من حيث يدرون ولا يدرون , حتى لقد صار المسلم كما لو كان قنبلة موقوتة يتجنب الناس إنفجارها في أية لحظة , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
عرب اليوم لا هم بمتدينين يطبقون شرع الله بروح العصر وأدواته ومقتضياته , ولا هم بعلمانيين ليبرلانيين يطبقون هذه البضاعة الغريبة كما هي .. عرب اليوم بلا " هوية " , وبلا رسالة , وبلا تاريخ أو حضارة , عرب اليوم , مجرد فريسة تتسابق الأمم وهمل الكوكب ورويبضاته على الظفر بشيء منها .
ترى هل عرب اليوم من " أجاويد الله " الذين يحبهم الله ورسوله , أم هم مجرد أرقام في الهواء ! . وإذا ما كان بينهم نفر من أجاويد الله , فهل لهم من مكان وسط المزاد والزحام , أم عليهم العودة إلى الصفوف الخلفية, وهي الأكرم والأعف لهم , إلى أن يغير الله الحال بما هو أعف وأفضل وأكرم .
قبل أن أنصرف , بالتأكيد, هنالك عرب لا ينطبق عليهم ما ورد أعلاه , وهم كالحليم الحيران , وأجرهم على الحي الذي لا يموت , وقطعا ," إن خليت بليت " , وصلى الله على من قال " الخير باق في وفي أمتي إلى يوم الدين " . والحمد لله رب العالمين , وهو سبحانه من وراء القصد .

