النسخة الكاملة

هل تصلح "الاعتمادية" ما أفسده الدهر؟

الإثنين-2018-12-31 08:52 am
جفرا نيوز - جفرا نيوز - كتب : أشرف عصام صالح كان الرقم "38" يعتلي وثيقة "التحويل" التي تخولني مراجعة طبيب العظام في العيادات الخارجية لأحد المستشفيات الرسمية الأردنية، لأجد أن رقم الدور المنجز لا يتجاوز 9، وعلي أن أنتظر 29 مراجعاً حتى يتسنى لي مراجعة الطبيب لدقائق معدودة، إلأ أن ذلك لم يزعجني كثيراً لأن هدفي المنشود أن أتخلص من تلك "الجبيرة" التي ضقت ذرعاً بها ولو كان أمامي 100 آخرين.   وكأي صيفٍ يمر على مدينتنا، لك أن تتخيل ازدحام عشرات المراجعين بمساحات ضيقة وما يخلفه ذلك على النفس والجسد، لتبحر في عيون الآخرين وردود أفعالهم وتبدأ بمحاولة فهم ما ألقى بهم هنا، إلا أنهم لا حول لهم ولا قوة سوى الإنتظار مهما علت أصواتهم أو تبدلت أدوارهم التي تُروّس بخط اليد.   ومع مضي الساعات، صدح صوت "العامل" المعني بالمناداة على الأرقام، فليس له عمل سوى ذلك، إلا أنه أحياناً يؤدي مهمة إغلاق باب العيادة أمام المراجعين "المشاغبين" كما يصفهم، تقدمت بخطى ثابتة وأنا أفكر كيف ستنتهي قصة الجبيرة التي قيدت يدي لأكثر من أسبوعين، وبعد أن دخلت إلى العيادة تفاجئت بوجود طبيبين فقط لمعالجة الأعداد المتزايدة، فشعرت بحجم التحدي الذي يواجهونه يومياً جراء ذلك، استقبلني الطبيب بابتسامة تعكس أخلاقيات مهنته ودفئ طبيعته.  
"عليك أن تذهب للتصوير ومن ثم العودة لمعاينة الصورة"، كلمات نزلت كالصاعقة علي، فهذا يعني أن أنتظر دوراً جديداً في قسم الأشعة، ومن ثم أنتظر دوراً آخراً حين عودتي لقسم العظام، وهل كنت أقضي الساعات الماضية في انتظار هذه الجملة؟، هذا هو النظام … ولسلامتك عليك أن تقوم بذلك… هكذا أجاب الطبيب، وطلب من "العامل" بمناداة "اللي بعدو".   المشكلة التي اكتشفتها حينها لا تكمن في أهمية الدور واحترامه، ولا بتزايد عدد المراجعين أو قلة عدد الأطباء، وإنما بتعقيد الإجراءات التي لا تتوقف عند هذا الحد، فرحلة الإنتهاء من تلقي العلاج لا تقل صعوبة عن البداية، لا بل قد تفقدك أعصابك أكثر، خاصة أمام قسم المحاسبة التي يشغّل أصحابها نافذة واحدة، ويتركون 4 أُخريات للهواء الطلق.   واليوم، عند العمل ببرنامج الاعتماد الصحي، وإصدار التشريعات الملزمة بذلك، يعقد العديد منا الأمل على المبادرة في تقليص الإجراءات البيروقراطية المعقدة في تلقي العلاج، خاصة أن ذلك يصب في تطوير خدمات الرعاية الصحية وتحسين جودتها، باعتماد أسس ومعايير تترجم على أرض الواقع، وبهذا نكون قد سلكنا الطريق الصحيح نحو تعزيز سلامة البيئة الصحية من جهة، ورفعنا من كفاءة العاملين في هذا القطاع من جهة أخرى.   ولا مراء من "الاعتمادية" تسهم برفد الاقتصاد الوطني الأردني، عبر ما تكرسه من تنافسية للمؤسسات الصحية، وبالتالي زيادة عدد الوافدين للمملكة بهدف العلاج، ما يعزز من مكانة الأردن العالمية على خريطة السياحة العلاجية، وهذا ما يؤدي إلى دعم استثمارات ومهن مساندة أخرى نتيجة ذلك، في حال أحسنا توظيف الاعتمادية ومخرجاتها بالصورة الصحيحة، بهذا … قد يمكننا حينها التأكيد بأن "الاعتمادية أصلحت ما أفسده الدهر".
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير