النسخة الكاملة

رئيس الديوان الملكي..

الخميس-2018-12-27 10:17 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب - ابراهيم عبدالمجيد القيسي
 قبل أيام صحوت من النوم ولحن يتردد بين الدماغ والقلب، فالدماغ ينبض بالذكرى وفي القلب صوت فيروزي جميل، وفيه حركة ما، يمكنني أن أعتبرها واحدة من مرادفات أدبيات "الحراك"..نفهمها من خلال أكثر عبارة يحفظها العرب من هذه الأغنية الفيروزية وهي تحديدا عبارة "تاري فيه محاكم..فيه محكوم وحاكم" (فيروز كانت تؤدي دورا شقيا في تلك الأغنية أوالمسرحية الغنائية)..هيك بفهم الحركة الزائدة في أغنية "يا مختار المخاتير بحكيلك الحكاية..أنا ما بحب الشرح كتير وما فيه عندي غاية".. المهم؛ بعد أن تناولت الافطار واحتسيت القهوة، عاد اللحن والموسيقى يتردد لكنه يتدفق الآن أكثر، "تناولت" الموبايل، شبكت نت، بحثت عن الأغنية، سمعتها 4 مرات متتالية، وبعد الساعة الثانية ظهرا، كانت مختمرة تماما في ذهني وعلى لساني أيضا، فبادرت بفتح الواتساب، ورددت المقطع الأول منها لكن على طريقة "جورج وسوف"، وأرسلتها لصديق استاذ يدرّس الموسيقى في كلية الفنون بإحدى الجامعات، وصادف وجوده في قاعة التدريس، فسمع التسجيل اعتقادا منه بأنه تسجيل مهم، لكنه فوجىء "بالفلم"، وكذلك تلاميذه في القاعة، فاختصر عليهم كل الشرح، وقال لهم "اكتبوا ملاحظاتكو الموسيقية ( نوتوا )اللي سمعتوه"..سيكتبونها بلا شك، ولست أدري: هل سيكتب أحد طلاب الموسيقى ملاحظاته حول تسجيل صوتي مرددا مقطع تغنية فيروز العرب "في محاكم ومحكوم وحاكم"، ويسقطه إسقاطات سياسية حراكية؟.. لا أعلم إن ثمة بين طلاب الموسيقى طالب او طالبة من الطفيلة الصامدة..وهل سيأتي على سيرة رئيس الديوان الملكي في معرض الحديث عن "الحراك" في أغنية يا مختار المخاتير، كيف سيذكرونه في "نوتة موسيقية"! ثم من قال للسياسة : مش شغلك يا موسيقى. لو توقفتم عن القراءة هنا، لاعتبرت نفسي قدمت مقالة متكاملة، قابلة لأكثر من قراءة.. لكنني سأضيف شيئا: نتابع أداء السلطات والمؤسسات الفاعلة في الدولة، وذلك بحكم عملنا ككتاب رأي، وقد نقدم رأيا يضيف جديدا للقارىء أو حتى للمسؤول، فيعمل به، أو هو قد يجد ملاحظة جديرة بالمتابعة، لكن؛ حين يقرأ الموسيقيون هذه المقالة، فهم حتما سيشعرون باهتمام الكاتب بالموسيقى، لكنهم لن يتمكنوا من تحديد هوية الكاتب، هل هو صحفي ام هو كاتب محترف أم هو مجرد مستمع للموسيقى..لا بد سيعلمون بأنني أحب الموسيقى الأصيلة، لذلك لن يلاحظوا بأنني إنما أتحدث عن موسيقى أخرى، يعزفها رئيس الديوان الملكي "يوسف العيسوي"، تعتمد مقامات بسيطة، لا تعقيد فيها، ولا أدوار إضافية تنازع صاحبة الولاية ولايتها، وهو أداء جديد "نسبيا"، قلّما ألفناه يخرج عن رئيس الديوان الملكي في العقدين الأخيرين على الأقل. يقوم العيسوي بدوره بعيدا عن السياسة وعن منازعة المؤسسات والسلطات الأخرى أدوارها، أو على الأقل لا يمكن لأحد أن يتهم الديوان ورئيسه بأنهم يتدخلون في شغل الحكومات، وهذا ربما كان الهدف الأول من وراء اختيار جلالة الملك للعيسوي ليكون رئيسا للديوان الملكي، فالرجل علاوة على أنه عسكري قديم، فهو قد أفنى عمره الماضي في الديوان الملكي أو قريبا منه، وهو شخص عملي "ماله شغل بسوق السياسة"، يعرف تماما دور الديوان الملكي العامر في المجتمع الأردني، ويقوم بكل ما تمليه عليه هذه المعرفة، حيث يعمل على زيادة تمتين روابط العلاقة بين الأردنيين والديوان الملكي، وينقل بأمانة كل هموم الناس الى صاحب الجلالة، ويترجم الردود عليها في أعمال، لا تتقاطع مع مسؤوليات الحكومة، بل تضفي عليها طابعا ملكيا اجتماعيا نعرفه منذ أن استطعنا تمييز أدوار المؤسسات والسلطات في دولتنا. لا يحق لأحد مهما بلغ تأثره بأداء وإجراءات الحكومة في إدارة الشأن العام..لا يحق له أن يعتبر الديوان الملكي جزءا من الحكومة، فيطالب رئيسه باستحقاقات من نوع إيجاد فرص عمل للأردنيين، فهو بهذه المطالبات كمن يريد من مدير الأمن العام مثلا أن يؤمن مقاعد جامعية لأبناء اقليم ما، طلب لا يقع ضمن اختصاص مدير الأمن العام "عليه وعلى كل نشامى الأمن العام سلامي".. ما زلت أبحث في أدبيات وتصريحات نخبتنا عن رأي ينصف يوسف العيسوي، الذي أراح الأردنيين من اشتباك الولاية العامة بأداء رؤساء الديوان الملكي في مراحل ما من عمر الدولة، حيث نعلم بأن تلك الآراء تطورت في مرحلة ما لتصبح سجالات في الرأي العام، تناسلت منها فنون من التشكيك والإشاعة، وتم اشتقاق أزمات وصلت حد بث لغة الكراهية بين فئات من المجتمع، وشاهدنا بعدها لون "نضالوي منفلت" غارق بأسئلة تشبه أسئلة البحث عن حياة في كواكب الفضاء البعيد.. رئيس الديوان الملكي يقوم بعمل "ملكي – اجتماعي" ينسجم تماما مع ما عرفه الأردنيون عن الهاشميين في متابعتهم ودعمهم لقضايا اجتماعية أردنية، ولا علاقة له بالحكومات ولا ببرامجها السياسية ولا علاقة بأية سلطة أخرى.. فكّونا من العنتريات الزايدة عن كل الحاجات، وافتحوا عيونكم وعقولكم على مستقبل أفضل لهذه البلاد، فمستقبلها ليس بالفوضى والبدائية في التعاطي مع الشأن العام، إنما تحتاج عقولا وضمائر وليس صوتا عاليا وجعجعة فارغة..  
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير