النسخة الكاملة

سفينة أفلاطون

الأحد-2018-12-09 10:04 am
جفرا نيوز - جفرا نيوز - كتب : إسماعيل الشريف - من يرفض اليوم النصيحة المجانية سيضطر لشراء الأسف بأغلى الأثمان – أفلاطون أنا في سفينة تبحر في منتصف المحيط تخوض غمار البحر، ضوء الشمس يداعبني، أستمتع بدفئه، أشعر بمزيج من السعادة والأمان لوجود طاقم محترف، أعرف أننا سنصل من رحلتنا بسلامة، ثم ستليها رحلة أخرى جديدة تحمل أطفالي إلى وجهة أخرى، سأودعهم آنذاك وأنا واثق من أن رحلتهم ستكون كرحلتي جميلة آمنة. لكن في اليوم التالي، بعد أن سمعت جلبة في الليل، لا أدري إن كانت ثورة أم تمرد، ولكن الواضح أن البحارة سيطروا على السفينة، أنظر إلى وجوههم القاسية الحازمة، أمر على مستودعات الطعام لأجد أن المؤونة بدأت بالنفاذ بعد أن تعرضت للسطو، وأجزم أنها لن تكفي لنهاية رحلتنا، أخاف من مواجهتهم بهذه الحقيقة وبما يدور في رأسي، فأنا أخشى من التبعات. أكثر ما يرعبني هو أن الطاقم غير كفؤ، لا يعلمون شيئا عن علم الإبحار، ومع هذا فقد أكلوا الطعام، وتبادلوا الألقاب والرتب الرفيعة، أعيش الآن في عين الرعب، محبط وقلق وعاجز، ولا ملجأ، فأنا محاصر في سفينة الحمقى. هم الحمقى المسيطرون ونحن الركاب، أخطاؤهم لا تنتهي، لقد أصبحت المخاطر تحدق بنا من كل مكان، ولا يزالون مصرين على المضي نحو الهلاك، لا أستطيع مناقشتهم، فهم يعتقدون أنهم أبطال ولا يخطئون أبدا. بعد فترة وقفنا احتجاجا أمام سارية السفينة، قالوا لنا، قولوا ما شئتم وسنفعل ما شئنا ولكن حذار أن تتلفوا شيئا في السفينة. هذا المشهد كتبه أفلاطون قبل الميلاد بنحو ثلاثمائة عام، ونقلته مع قليل من التصرف، للأسف توقفَ هنا، ولم يخبرنا عن مصير السفينة. ثمة تغيرات كبيرة حدثت في سفينة أفلاطون، فكان من نتائج سفينة الحمقى هذه أن الناس تمايزوا في طبقتين لا وسط بينهما، طبقة ثرية ثراء فاحشا وأخرى فقيرة فقرا مدقعا، وأصبحت هاتان الطبقتان تخشى كل منهما الأخرى، فلكل منهما أسلوب حياة مختلف، لكل أحيائهم، مدارسهم، غذاءهم، أفراحهم وأتراحهم، وكل يختلط مع أناس على شاكلتهم. والظلم الاجتماعي أصبح العنوان العريض. تتهكم الطبقة الثرية على الفقراء وتباهي بالأجهزة الذكية التي تحملها والملابس التي ترتديها والرفاهية التي تنعم بها، تعتقد أن غباء الفقراء هو سبب فقرهم، وهو أيضا سبب غرق السفن المجاورة التي غرقت، وتطالبهم بالمحافظة على سفينتهم لتبقى الأمور كما هي، ليجوعوا حتى الشبع، فالأمان في الخوف. أعظم سفينة صنعها الإنسان " تايتانيك" غرقت، ولمن لم يشاهد الفيلم فقد دار حول علاقة حب مستحيلة بين طبقتين، في تلك السفينة لم يكن الاختلاط مسموحا بين الطبقات، فالأثرياء عاشوا في أعلى السفينة والفقراء في أدناها، وعندما بدأت السفينة بالغرق، ذهب قليل من الأغنياء بسفن النجاة، فيما ظل الفقراء محبوسين في مضاجعهم. تماما كالمجتمعات الظالمة التي مصيرها الانهيار، فيما ستصمد المجتمعات العادلة في أعتى الظروف وتتجاوزها. أعطوا الناس ما هو حق لهم وستكون النتيجة مكسبا للجميع.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير