النسخة الكاملة

مهداة لارواح الشهداء .. الطالبة تسنيم العجارمة

الأحد-2018-09-16
جفرا نيوز - * مهداة لأرواح شهداء الجيش العربي والأجهزة الامنية بالفحيص ونقب الدبور بالسلط * مذكرات جندي
عقارب السّاعة تشير إلى السّادسة مساء، في جزيرة تيمور الشّرقيّة ، الواقعة على شواطئ المحيط بنهاية جزر الأرخبيل الأندونيسيّ ، وعلى مقربة من القارّة الأُستراليّة. وذلك بشهر آب عام 2001 والطّقس صيفي، لايخلو من الكثير من الرّطوبة، الّتي تشكّلها مياه المحيط على مدار السّاعة . في أمسية هادئة يجلس الجنديُّ خالد في خيمته قرب الشّاطئ ، على بعد مسافة 200 متر يجترّ الذّكريات البعيدة بوطنه الأردنّ، الّذي غادره ببعثة عسكريّة تحت قيادة قوّات الأمم المتّحدة لمدة ستّة أشهر؛ لفضّ النّزاع الدّامي في تيمور الشرقيّة . صوت تكسّر الأمواج الهادئة بإيقاع موسيقي ساحر، غمر نفسه بشعور يبعث على الرّاحة والهدوء والسّكينة ، هذا الجوِّ المفعم بنسيم البحر العليل، هو أجمل ما في الرّحلة الشّاقة لتلك الدّيار. لو قُدِّر لخالد أن يصوّر بكاميرا هاتفه النّقّال والّذي كان ضربا من الخيال بتلك الاّوقات ، لكان المشهد ينبي عن مشهد أشجار جوز الهند العملاقة تجاور جدارًا اسمنتيًّا يفصل الشّارع عن شاطئ البحر ويمرُّ أمام أسوار الكتيبة وأسلاكها الشّائكة بمدينة ساحليّة تدعى أُوكوسي هي مقرّ قيادة الكتيبة . يمرّ أمامها شارع إسفلتي متهالك من شدّة أشعّة الشّمس ، تجوبه درّاجات ناريّة لشباب قساة النّظرات الّتي يرمقون بها الجنود الدّوليين من سكّان جزيرة وباص ركّاب صغير سعته 12 راكبًا يمرّ كلُّ ثلاثة ساعات من المكان بجانب الكتيبة . وربّما بقرة تسير بمفردها تأكل من خشاش الأرض الرّملية الّتي تجود بكثير من الأعشاب لتوفّر الرّطوبة طوال الوقت . كانت قيادة الكتيبة الّتي يشارك خالد زملائه الجنود وضباطه السّكن والإقامة فيها ، عبارةعن قطعة مربّعة من الأرض تقع على قرابة عشرة دونمات او ما يسمح ببناء يتّسع لمدرسة كبيرة . المبنى الرّئيسي فيها قصر ريفيّ جميل جدا، يعلوه القرميد الأحمر بُنِيَ على النّسق الأُوروبيّ بالعمارة ، كان قد أنشأه المستعمر البرتغاليّ للجزيرة، منذ أكثر من 200 عام إبّان حكمهم للجزيرة ردحاً من الزّمن . كان هذا المبنى عبارة عن مكاتب قيادة الكتيبة، ويحوي غرفة منامة للضبّاط ونادي للطّعام والإستراحة ، وقربه يقع نادي الأفراد والمسجد، والمرافق الصّحية ضمن كرافانات . ولقد سكن الجنود بخيم تحيط بالموقع،والأسوار كانت محاطة ببرجين للمراقبة، من الجهة الخلفيّة ونقطة خفارة على المدخل الرّئيسيّ، وواحدة بجانب المبنى الرّئيسيّ لمراقبة الشّارع الرّئيسيّ والبحر . في اللّيلة التّالية خرج خالد للقيام بأعمال الخفارة والحراسة من السّاعة 12ليلا إلى 6صباحًا حيث ارتدى ملابسه العسكريّة وامتشق سلاحه لعمله المقدّس بظلمة اللّيل البهيم . جلس ببرج المراقبة الذي يسمح له بكشف المنطقة ،وجال بفكره صوب بيته ،وأهله بالأردنّ الغالي وتذكر أوقاته الجميلة بينهم فأخرج صور أسرته ، وبدأ بالنّظر إليها وتذكّر كلّ لحظه جميلة قضاها بينهم . مرّت الأيام بسرعة وشهدت فترات صعبة تحمّلها خالد ورفاقه بمنتهى الشّجاعة والصّبر ، وكانوا يقطعون أوقاتهم بالعمل الجاد ، وكان ذلك لا يثنيهم عن القيام بصلاتهم بالمسجد والصّوم بشهر رمضان ، وشكّلوا صداقات طيّبة مع السّكان المحليّين تعكس الأخلاق العريقة، الّتي يتمتّع بها الجنديّ العربيّ الاردنيّ المسلم ، كانوا يساعدون السّكان في الأوقات الصّعبة، وخلال الظّروف الجويّة القاسية، كالفياضانات وخلال الانتخابات المحلّيّة وغيرها . مرّت الأيام واللّيالي , وقبل انتهاء مدّة البعثة بأسبوع ، كُلِّف خالد بالخروج في وظيفة ، وكانت هذه آخر وظيفة لكي يذهبون ويشترون الهدايا لأهلهم وأقاربهم ، فلبس البذلة ومشى إلى مكان البرج ولم يصعد في المركبة كعادته فلمّا سألوه عن السّبب أجاب : أُريد أن أستنشق هواء الشاطئ العليل قبل أن أغادر تيمور , ومشى وهو مسرور أشدّ السّرور, ثمّ انحنى وأخذ بيده تراب من الأرض , وظلّ يشتمّها, حتّى وصل برجه واعتلاه , فجلس في مكانه وبدأيفكّر ويفكّر في الهدايا الّتي سيشتريها لأهله وأطفاله , وقاطع تفكيره هجوم العدوّ, وبعد مواجهة حادّة رأى جنديّ من جنود العدوّ يريد إطلاق الرّصاص على طفل, فأنقذه خالد وأصابته رصاصة فمرّ شريط حياته أمام عينيه, ووصّى صديقه بأطفاله وعائلته وبعدها فارق الحياة . وكانت هذه نهاية الجنديّ خالد, ولم يتحقّق حلمه بالعودة إلى الوطن .
تأليف الطالبة :تسنيم عيسى العجارمة / مدرسة ام البساتين الاساسية للبنات
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير