هبوب الجنوب يكتب : من نازح إلى لاجيء
الثلاثاء-2018-04-03 03:28 pm

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب- هبوب الجنوب ..
أخي اللاجيء السلام عليك ..
أنا نازح , سموني كذلك ..فقد نزح أبي بعد العام (67) وسكنا مخيم الحسين وولدتني أمي نازحا , هكذا سمتني القرارات الدولية ..والمحافل الدولية , والعهر الأممي ..
قال لي أبي أن المخيم كان في البداية , خياما عليها شعارات الأمم المتحدة , وكان العطف الدولي في أوجه فقد وزعوا علينا سمنة (الكاكوزي) وبعض المعلبات ...وأغطية استعملتها النساء فيما بعد .حين اهترأت ..كحشوة لمخدات ننام عليها ولا نشم فيها رائحة فلسطين .
وتطورنا يا أخي اللاجيء , تطورت الخيمة وصارت سقوفا من الصفيح و(الزينكو) ..المهم أن هذا منحنا , حرية كتابات الشعارات على جدارن الطوب والمتعلقة بالعودة ..علما بأن الخيام لم تكن تساعد على كتابة الشعار كونها من القماش ..
في العام 1974 ...توفي الحج محمد , كنت طفلا وقتها ..طفلا صغيرا بحجم الأصبع , وهنا برزت لدينا مشكلة وهي أن لكل عائلة فلسطينية مقبرة , ولكل قرية مقبرة ...و(الحج محمد) ..لن يعود إلى جنين ...ومن الصعب أن نحمله هناك , لم تنتبه الأمم المتحدة على ما يبدو لقصة الموت أثناء النزوح , كان عليها أن تخصص لنا أيضا مقابرا ..مثلما خصصت لنا الخيام , لكننا في النهاية وجدنا مقبرة تليق في (الحج محمد) ...وأقمنا عزاء في الهواء الطلق ..والمهم أننا أبرقنا لما تبقى من الأهل في جنين ...أخطرناهم فيها أن الحج محمد قد مات ..وأبي أخبرني أيضا , بأن فلسطين حالما تعود سنقوم بإخراج الجثمان وإعادة دفنه في جنين حيث ولد وعاش ...ومنذ (50) عاما والجثمان ينتظر إعادته ..ولكنه لم يعد .
في الشتات أنتجنا نادي رياض للمخيم وصرنا نشجعه , أنتجنا أيضا بازارات للنقوش الفلسطينية ..والمقتنيات ومفاتيح المنازل التي هجرونا منها , واهتممنا في قضايا التطريز والأثواب الفلسطينية ...وكل فتى صار يضع رمز حنظلة في صدره , وعلقنا صور جورج حبش والختيار وابو جهاد في منازلنا ...ووزعنا مناشيرا سرية للجبهة الديمقراطية , دون علم المخابرات ..وختام زوجناها ..وأم العبد ما زالت النساء تذهب إليها , كل مساء حتى تقرأ على الأولاد حين يمرضون بعضا من سور القران ....وأحببنا الملوخية , صار البعض يعيب علينا تلك (الطبخة) ولكننا مازلنا نؤمن بأن رائحة (قدحة الثوم) في أيام رمضان ..تدل على أن الشارع فلسطيني والهواء فلسطيني أيضا.
أخي اللاجيء ..
انت انغمست في المجتمع , ربما صار لك بيتا ومحلا ..وربما استأجرت فيلا في عبدون , لكني أنا لم أخرج من المخيم بقيت وفيا للتسمية الأممية التي أطلقوها علي وهي : (نازح) ...
أتدري لماذا أكتب لك يا أخي اللاجيء ..لأن الناس في المخيم وهي تراقب الإعترافات العربية من تحت الطاولة , وتراقب تهويد القدس وتراقب ذوبان قضيتنا ....تضحك من قلبها , هل تعرف لماذا ؟ ..ثمة فارق كبير بين الإسرائيلي والفلسطيني ...لأن الإسرائيلي يتعاطى مع إسرائيل على أنها قوة مالية وعسكرية , ولم ينظر لها في داخله على أنها وطن ..هو يهتم بالصناعة الحربية , وبقوة (الشيكل) ..يهتم بتصدير التمر والورد , ويهتم بتطوير (الميركافا) ..أما أنا النازح فما زلت مهتما بشيء واحد وهو كيف سأعيد رفات الحج محمد إلى جنين ..حتى لو لم يسعفني الزمن والحياة , ولكني أوصيت إبني (ثائر) بذلك وأقسم أن ينفذ الوصية ...نحن الفلسطينيون يا أخي اللاجيء من الموت ننتج الحياة ..والإسرائيلي يخاف من الحياة ويخاف من الموت ...
لن يمر شيء صدقني , فنحن نحفظ أماكن قبور الناس التي دفناها في بداية نزوحنا , وتلك الناس أوصتنا أن نعيدهم إلى مساقط الرأس وسنعيدهم طال الزمن أو قصر ...
يا أخي اللاجيء , كل ما يكتب ويخطط وينفذ من تحت الطاولة هو مجرد هراء , لأن كل قوة مادية أو عسكرية لها نهاية محتومة ...بالمقابل الإرادة هي الوحيدة التي تبقى في تصاعد ..وليس لها نهاية.
لا تخف فلسطين لن تزول أبدا , فلسطين تعيد إنتاج نفسها ..وسنعود لها , وهذا ليس حلما ولا قصيدة لمحمود درويش ..ولا خطابا ثوريا هذا أمر حقيقي ...وذات يوم صدقني أن قبور النازحين هي التي ستسير إليها قبلنا وتعود لمساقط الرأس وللقرى ..وسيختار الحج محمد ..بستانه في جنين كمستقر أخير له .
هل شاهدت قبرا يمشي يا أخي , هو الفلسطيني وحده ..الذي سيسير قبره إلى فلسطين ...ذات يوم , وينظف الأرض من كل دنس وفجور.
أتدري يا أخي الفلسطيني , أننا حين كنا ندفن نازحا فلسطينيا في عمان أو دمشق أو بغداد...كنا نكتب على قبره إسم البلدة التي ولد فيها حتى نذكر كل زائر للمقبرة بفلسطين ..الشعب الذي ينتج من الموت حياة وذكرى صدقني أنه لن يهزم .
لا تستكن ..لا تيأس يا أخي اللاجيء , ..ترامب هراء ..وإسرائيل مجرد هراء ..ومن وافقوا أو مرروا ..أو قبلوا هم أيضا مجرد هراء ..أما نحن ..فحقيقة مطلقة لا جدل فيها ...أتدري لماذا ؟
لاني منذ (43) عاما مازلت أخطط لإعادة رفات الحج محمد إلى جنين ...

