مصاصو الدماء

جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف في ظل حكومة فاضلة الفقر عار، وفي ظل حكومة سيئة الغنى هو العار – كونفوشيوس. 
يعترف بيتر ثيل البليونير الأمريكي الذي يعمل في مجال التكنولوجيا بأنه يخاف الموت، وخوفه طبيعي، فعادة الغني يخشى الموت بينما الفقير قد يتمناه، لذلك فهو مهووس بأبحاث مكافحة الشيخوخة ويدعمها بالملايين، ويدفع شهريا أكثر من عشرة آلاف دولار ثمنا لدماء شابة يحقن بها نفسه مؤمنا بأن ذلك يطيل العمر. تلك قصة حقيقية لا تستطيع إلا أن تقف على رمزيتها، فمن لديه المال والسلطة يمتص دماء من لا يملك أي منهما، هكذا كان العالم وهكذا سيبقى إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. وفي قصتنا نحن رمزية ما، فما بين مقولتين تحول المواطن الأردني من "أغلى ما نملك"، إلى "منجم للذهب"! لا شك أن صاحب المقولة الأخيرة قصد أن المواطن هو الأغلى، ولكن، إما أن التعبير قد خانه أو أن مقولته أُوّلت في سياق من السخرية والتهكم على كل شيء بحيث تفوقنا في الدعابة حتى على الشعب المصري، نتيجة  الألم وصعوبة الحياة وحالة الإحباط وشعور المواطن أن علاقته مع حكوماته هي علاقة الضحية ومصاص الدماء. فالمواطن ليس مصدر السلطات فحسب، بل هو الممول الأكبر للإيرادات، يدفع مئات الضرائب والرسوم ويدعم المحروقات وسيدعم قريبا "رغيف عيشه" ممولا امتيازات ورواتب للسياسيين وصفقات، فهو مربوط بالساقية يعمل بلا كلل ولا ملل ليحصّل أقل ما يمكنه من العيش. ومصاصو الدماء يحتاجون إلى دماء أكثر لعيش أرغد. ولعل ماركس قد وصف حالتنا عندما تحدث عن رأس المال الميت القائم على امتصاص العمال وكلما نما احتاج إلى مزيد من الدماء، دمائنا. في شهر أكتوبر الماضي احتفل ثلة باقية من الشيوعيين بالذكرى المئوية الأولى لأول ثورة ناجحة ضد المال والفوارق الاجتماعية، وتذاكروا ملاحظة سجلها لينين قبل خمسة أعوام من اندلاع الثورة قال فيها، في حين تحصد المجاعات الأرياف نرى بذخا كبيرا في المدن، فمصاص الدماء الجديد يستحوذ على الثروات من دون بقية الناس ويستغلهم. يكرس الآن تفاوت طبقي كبير بين أبناء المجتمع، وهوة آخذة بالاتساع، وبوادر حقد مفهوم، ولا أعتقد هذه الأيام أن مقولة لا تعطني سمكا بل علمني كيف أصطاد عادت مقبولة، فالاصطياد بالكاد سيبقيك حيا في ظل امتصاص ما تبقى من دمائك، المطلوب الآن شيء واحد السماح للفقراء أن يأكلوا من سمكهم.