
خاص - جفرا نيوز
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
لا جامعة الدول العربية، ولا حتى منظمة الأمم المتحدة ولجانها ومجالسها تتمتع بثقة الشعوب كما كانت، والشواهد كثيرة على انحسار دور هذه المنظمات الأممية، وارتفاع صخب الحديث المطالب بإعادة تشكيلها لا سيما بعد مواقف مخجلة قامت بها دول كبرى، تتناقض مع القانون الدولي ومع شرعة حقوق الانسان وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، ولعل أكبر دليل على اخفاق هذه المنظمات وعدم فاعليتها، أننا ما زلنا نشاهد احتلالا لدول الآخرين، وما زال في الكوكب احتلال دموي عنصري في فلسطين العربية، معروف بأنه آخر احتلال، ولا بوادر حقيقية لإنهائه، رغم تسببه في انتاج الارهاب وتعزيزه وشرعنته وتسببه كذلك في كثير من الأزمات الدولية والجرائم التي يندى لها جبين أي كائن بشري يحترم القانون والعدالة والانسانية.
اجتماع الدورة 28 للدول الأعضاء في مجلس جامعة الدول العربية، يجري في الأردن على قدم وساق، مثله مثل أي استحقاق دولي، ويستضيفه الأردن في منطقة البحر الميت، وعلى الرغم من عدم ثقة العرب في أغلب ممثلياتهم الدولية إلا أن الصخب يرتفع حول القمة العربية ومواضيعها، ولن أتحدث عن التفاؤل والتشاؤم ولا عن قرارات كبيرة أو مصيرية تتمخض عن هذه القمة، لكنني سأتحدث عن أسئلة عربية محرجة، يتم توجيهها إلى عمان، وتجد إجابات ديبلوماسية عقلانية من قبل وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال.
أظهر الدكتور محمد المومني ذكاء ولباقة ورشاقة لافتة للانتباه في المؤتمر الصحفي أمس الأول، وهو المؤتمر الوحيد الذي تابعته عبر شاشة التلفاز، وكتبت للدكتور المومني مسج، قلت له فيها إنني وعلى الرغم من "زعلي" عليك، إلا أنني أعتز بجهودك التي تبذلها لا سيما ما قمت به خلال المؤتمر الصحفي، أنت وزير أردني يبلي حسنا في هذا المؤتمر، ويحق لنا أن نفخر بأدائك، علما أنني كنت أكتب وكان في ذهني أكثر من نموذج عربي وغيره، يتم إحراجهم بالأسئلة في مواقف شبيهة، ويتركون انطباعا سياسيا مسيئا لدولهم بسبب اجاباتهم المتشنجة، وقلة خبرتهم وعدم تمكنهم من فنيات العمل الديبلوماسي والمعلومات أيضا..
من بين أهم الأسئلة التي يتم توجيهها لعمان وقمتها، سؤال متعلق تقرير الإسكوا الذي نعتبره تقريرا داعما للموقف الأردني الديبلوماسي الملتزم بقوة بالقضية الفلسطينية، لأن الشخصية السياسية التي تولت تقديمه للأمم المتحددة هي موظفتها الأردنية ريما خلف، وكان موقفها عالميا باعثا على الاعتزاز، وتمخضت عنه ردود أفعال عالمية مهمة، سلطت مزيد من ضوء على الاحتلال الاسرائيلي العنصري لفلسطين، كما بينت حجم الاختلال في المنظومة الدولية، فالسؤال المتعلق بموقف الأردن والقمة من هذا التقرير أجاب عليه المومني بشمول ذكي مطلوب، يعزز قوة الديبلوماسية الأردنية ولا يفتح مجالا لحديث من طرف واحد قد لا يلقى قبولا عالميا، إذ قال بأن القضية الفلسطينية هي رئيسية ومركزية بالنسبة للأردن، وملفها مطروح بل يتصدر ملفات القمة المنعقدة في عمان.
وكذلك تحدث بطريقة ديبلوماسية مهنية مهمة، حين تم سؤاله من قبل صحفيين عن الموقف العربي من مكافحة الآرهاب، بعد أن تناقلت وسائل الاعلام تصريحات دونالد ترامب "الرئيس الأمريكي"، التي كال فيها الاتهامات لإدارة أوباما، واعتبرها المسؤولة عن انتاج ورعاية داعش وأخواتها، فأجاب الدكتور محمد المومني إجابة ذكية منطقية متوازنة، لا يختلف اثنان على صوابها، حين قال "يجب علينا أن نتحدث بدقة أكثر، وأعتقد أن هذه التصريحات ليست بالدقيقة"، وقد طالب الصحفيين بالدقة في أسئلتهم، حين تم توجيه سؤال آخر له يتعلق بالموقف الأمريكي من عملية السلام، وبأن أمريكا "استبعدت" سلاما قائما على حل الدولتين، حيث أكد المومني بأنها أسئلة يعوزها الدقة فلم يصدر موقف أمريكي فعلي حول استبعاد حل الدولتين، بل قال إن أمريكا مع أي حل واتفاق يفضي إلى سلام.
كذلك التزم المومني بالتعبير الدقيق عن الموقف الأردني من كل الخلافات العربية البينية، أو الاختلافات الأيدولوجية، لا سيما المتعلقة بمكافحة الارهاب، حيث كانت الأسئلة تحاول البحث عن موقف اردني "حاد" من مواقف بعض الدول العربية المشاركة بالقمة، والتي لها وجهة نظرها الخاصة حول الارهاب وتعريفه وسبل مكافحته، إذ أجاب المومني على السؤال بالقول : العرب متفقون جميعا على مكافحة الارهاب بشكل عام، وثمة اتفاقيات بين الدول العربية الأعضاء في مجلس الجامعة، تم فيها الكسف عن استراتيجيات أمنية مشتركة، تقوم فيها كل الدول بواجباتها، وهنا نفي ذكي للتباين بين مواقف الدول العربية في مكافحة الارهاب، وهي إجابة ديبلوماسية يستطيع السائل أن يبحث من خلالها عن أطراف غير عربية، لها كل العلاقة في التباين والاختلاف والاصطفاف مع أو ضد الارهاب.
وتحدث المومني بذكاء أيضا، وبالتزام كبير في توضيح الموقف الأردني من ايران، وركز على التزام الأردن بالموقف العربي وبوحدة أراضي العرب، وقدم التوافق العربي على أي توافق آخر، رافضا التدخل من أية جهة كانت في أي شأن عربي، وهو الأمر الذي أكده من خلال إجابته على سؤال متعلق بالقضية الكردية وتصريحات القادة الأكراد بالانفصال النهائي عن بغداد، إذ أجاب المومني بأنه "شأن عراقي داخلي" ولا نسمح لأنفسنا بالتدخل في شؤون الأشقاء الداخلية، ونحن مع أي قرار تتخذه الدولة العراقية.
على الرغم من تحفظاتي الكثيرة على أدائه في الملف الاعلامي، إلا أنني أشكر للدكتور محمد المومني براعته الديبلوماسية في الإجابة عن هذه الأسئلة الكبيرة بطريقة دافئة ومقنعة وبعيدة عن الشطط والاستعراض، فهو بذلك عبر عن ثوابت الخطاب الأردني وعن ثوابت سياسية وقومية ودولية يلتزم بها الأردن ويحترمها، وهي سبب الحظوة التي يتمتع بها الأردن عند العرب وكل الأنظمة السياسية المتوازنة حول العالم.
ibqaisi@gmail.com