عن اللحوم البرازيلية
السبت-2017-03-25 01:20 pm

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - خاص - ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
ربيعنا في الأردن محدود الخضرة؛ ولا يعود السبب فقط لقلة الماء، بل أيضا كثرة المتسوحين "شمامين الهوا"، الذين "تخثرت" ثقافة التسوح لديهم وانحصرت في طبخات في قدور وطناجر، تلتف حلوها العائلة في ظل شجرة متعبة من كثرة الزوار، وبضع من عبوات المشروبات الغازية الرخيصة، وأقوام انتشروا في سويعات من يوم إجازة، لاذوا بخضرة طارئة لم تكد تبزغ نضرة اخضرارها حتى داستها أقدام متعبة ولم تدرك بعد معنى آخر "لطيب المصطاف والمتربعا"..لكنه "الهش والنش" في خطر وليست الطناجر والقدور، فالفقراء لن يتمكنوا منه هذا الربيع، وربما يكتفون بالأرجيلة وبعض طيور من دجاج تلفحها حرارة الفحم المتوهج والحطب الغض الذي تم بتره من شجر يافع..
على وقع فضيحة اقتصادية عالمية، اختفت اللحوم البرازيلية من أسواق عالمية كبيرة، ومنذ 17 الجاري والعالم يتحدث عن فساد في اللحوم البرازيلية الحمراء والبيضاء، فأكبر مصدر لهذه اللحوم يتعرض لفضيحة فساد بتلوث منتجاتها من اللحوم، نتيجة إشعاعات وفساد وتقصير ورشى حكومية، تمخضت حتى الآن عن طرد 33 مسؤولا حكوميا برازيليا، وتسطير مذكرات جلب قضائية بحق عشرات آخرين، واغلاق بعض المصانع والشركات، فالدولة الأولى التي تصدر إلى العالم لحوما حمراء وبيضاء بقيمة تتجاوز 11 مليار دولار سنويا، تتعرض لأزمة اقتصادية كبرى، تسبب بها الفساد..
تحدثت مع الدكتور حيدر الزبن مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس:
طمني؛ هل ستتأثر أسعار اللحمة في سوقنا؟ .. قال لا أعتقد، فموسم اللحوم في الأردن ابتدأ فعلا، ولن يكون لقرار الحكومة وقف استيراد اللحوم البرازيلية من تأثير يذكر على أسعار اللحوم.. والرجل يتحدث هنا "استنتاجا" مبنيا على منطق يمتاز به المتوازنون، لكن للتجار وللسوق منطق آخر، مبني على الاستغلال لأي حديث عالمي، فحيتان استيراد اللحوم من مصادر غير برازيلية، سيجدون "قمة" فرصتهم في رفع الأسعار بسبب انحسار اللحوم البرازيلية عن الأسواق.. سوف يشعر المواطن بفلسفة السوق والاستغلال إن هو أراد ان "يفعل" هشا او نشا في البلاد.
يقول الزبن: ليست مسؤوليتنا صلاحية اللحوم، بل هي من مسؤولية الغذاء والدواء، وأعتقد بأنهم فعلوا المطلوب، ولا يوجد لدينا حالات من فساد لحوم برازيلية، انما قامت الحكومة بوقف الاستيراد كإجراء احترازي، أما عن مسؤوليتنا في مثل هذه السلع فهي تنحصر في تطبيق قواعد فنية، ونحن نقوم بها، وبالنسبة لمشكلة اللحوم البرازيلية فقد علمنا بها منذ حدوثها في العالم وليس في الأردن، لأننا نشترك في نظام "تلقي المخاطر العالمي"، وهو نظام يشترك فيه الأردن ويدفع رسوما سنوية 11 الف دينارا، وتصله كل الملاحظات حول المنتجات الخطرة حول العالم، وقد تلقينا إشعارا عن قصة اللحوم البرازيلية قبل أن يتم الحديث عنها اعلاميا، وقمنا بما نقوم به في مثل هذه الحالات، حيث تم وقف استيراد هذه المنتجات حتى يزول الخطر.
تحدثت مع الدكتور الزبن عن فقدان الثقة الذي يسيطر على تفكير المواطن، عند الحديث عن كل ما يتعلق بالمؤسسات الحكومية، فهي ظاهرة معروفة لدينا في الأردن، وسرعان ما تجد من يشكك في إجراءات الجهات المسؤولة عن الاستيراد والتصدير والغذاء والدواء والمواصفات والجمارك ..الخ المنظومة، وقال لي الرجل بأنه بات يلمس لدى الناس ثقة بمؤسسة المواصفات والمقاييس، فعزوت الأمر لنشاطه وشخصه، لكنه أجاب بأنها أصبحت ثقافة في هذه المؤسسة، وأصبح العمل مؤسسيا مضبوطا بتعليمات وقوانين، ولن يتأثر بوجود أو غياب شخص مثل حيدر الزبن او غيره، وضرب مثالا على استقرار رؤية هذه المؤسسة وتفردها باستراتيجية مميزة، حازت المرتبة الأولى عالميا في عام 2016، وهو انجاز لم يتحدث عنه الناس، ولولا قصة "عجول البرازيل" ولحومها لما عرفت بأن مؤسسة المواصفات والمقاييس الأردنية تحقق مثل هذا التقدم في الاستراتيجيات والتطبيق..إيجابية نذكرها بكل فخر، ونطالب المتحدثين عن فقدان الثقة وحضورها أن يذكروا مثل هذه النجاحات، التي تعزز ثقتنا بدولتنا ومؤسساتها و"تعزي" الفقراء بعدم استطاعاتهم شراء لحم بلدي أو روماني او هندي او نيوزيلندي لرحلات الهش والنش في ربيعنا الموسمي القصير.
في الشتاء يحلو الهش والنش في الغور وحول البحر الميت، أما في الشفا، فالربيع هو قمة الهش والنش ..فاشووا ما استطعتم.
ibqaisi@gmail.com

