النسخة الكاملة

القيسي يكتب: حواضن اجتماعية للجريمة

الإثنين-2016-12-26 10:57 am
جفرا نيوز - جفرا نيوز- ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
كان"قولوا خيرا أو اصمتوا"؛ هو عنوان آخر مقالة كتبتها وتم نشرها في هذه الزاوية الإثنين الماضي (19 الجاري)، وهو اليوم التالي للجريمة التي ضربت في الكرك الشماء، وأمام هيبة الدم وقداسته لم أشأ أن أكتب هنا حرفا، واكتفيت ببعض الكلمات على صفحتي في فيسبوك، وانتظرت حتى يفرغ الأردنيون كلهم من التعبير والكتابة أو الاستعراض وطلب النجومية والكيد ..وسائر الأغراض المعروفة حين حدوث حادثة على هذا المستوى من الاجرام والخسائر.
بالشهادة المقدسة؛ فاز الشباب الذين استبسلوا في الدفاع عن الحق والخير والكرك والوطن وأهله، ولا يمكننا أن نرد جميلهم المقدس، حين تكرموا علينا بأرواحهم، لنحيا ونكمل طريق الحياة، ولا يقض مضجعي في مثل هذه الحالة أكثر من آلام ذويهم وعائلاتهم، فهم الأبطال والكرماء، الذين انهارت أعمدة في بيوتهم لتبقى أعمدة بيوتنا واقفة، ولا يمكن أن نفي هؤلاء الناس حقهم بالعزاء والشكر، فالجريمة النكراء أصابتهم بالدرجة الأولى، حين فقدوا شبابهم وأبناءهم وأرباب بيوتهم، الذين ذادوا عن الكرك والحمى والتحقوا بركب الذين سبقوهم من رجال الأردن "كبار البلد وكراسيها ومتاريسها وحصونها وقلاعها وأسودها"..هم أصدق الناس وأكثرهم سخاء، وهم العسكر في كل مرة، ومهما تحدثنا عنهم فلن نفيهم حقهم أبدا.
أسفرت الجريمة عن اكتشافنا لمرض مقيم، وهذا ما امتنعت عن قوله أثناء العاصفة، وأستطيع القول بأن لا ارهاب فعليا ولا جريمة في تلك المناطق، مقارنة مع حقيقة وجود حواضن اجتماعية لهما :
قبل الوضع الاقتصادي المتردي وسوء التغذية العقائدية وبعدهما؛ فالواسطة والمحسوبية تتجليان كجريمة كبرى أخطر من الارهاب، وحين نحاول البحث عن جذور الصمت على المجرمين، او الذين يسيرون على طريق الاجرام والارهاب وقتل الناس، نجد بعض المنحرفين والمجرمين يسقطون في مخالفات تستوجب تطبيق القانون عليهم كغيرهم، لكن هذا لا يحدث؟!.. فلماذا نطبق عقوبة السجن على شخص مجرم، تم القاء القبض عليه حين كان في طريقه للالتحاق بداعش المجرمة مثلا، بينما لا نطبقها على غيره ارتكب الجرم نفسه؟! ..لماذا تنتفض الدنيا غضبا على مجرم قام بجريمة نكراء، بينما تصبح الدنيا حكيمة حين يقوم مجرم آخر بارتكاب الجرم نفسه أو أكثر؟ ..كلكم تعرفون الإجابة، ويمكنني أن أكتبها هنا لكنه موضوع لا يخصني بصراحة، فلست مسؤولا لا عن تنوير هذه الأمة ولا عن حفظ أمنها، إنما هناك رجال هذا عملهم، وحين نحاول التحدث عن إخفاقاتهم نصبح نحن الخارجون عن النصوص الأخلاقية، وعن الأعراف وعن القوانين أيضا..
حتى الفاسد؛ يجد من يحميه، ويسعى دوما لإبعاد الحديث عن التشكيك فيه، وهؤلاء يعيشون معنا في الوطن، لكنهم لا يشعرون بما نشعر ولا يألمون لما يؤلمنا، بل إنهم وجدوا في الجريمة التي ضربت في الكرك غايتهم، فاتخذوا قرارات ما؛ وسربوا بعضها ولم يسربوا أخرى، وعلى الرغم من أننا نعرف عنها منذ يومها الأول لكننا لم نتحدث بشيء أمام هيبة الدم وقداسته، وإلا لأصبحنا مثلهم، يقتاتون على جثث وآلام الناس، ومصائب الوطن، الذي لا يعرفون عنه سوى أنه حقل بلا مالك، يغيرون عليه فيقنصون ويحصدون.. فهل تألم هؤلاء فعلا لتلك الجريمة أم تراهم شكروا من قام بها لينشغل الرأي العام والدولة، ليتسنى لهم تنفيذ مآربهم بحماية مجرمين وفاسدين أو مدانين بجرائم لا تقل خطرا عن الارهاب نفسه؟!.
هي ثقافة جاثمة في عقول كثيرين، هم الحواضن الاجتماعية للفساد والجريمة والارهاب، يقومون بدورهم على مرأى منا أو خفاء، لكنهم دوما لا تتم ملاحقتهم ولا محاكمتهم ولا تحييد تأثيرهم السلبي على مجتمعنا، الذي أصبح يفقد قيمه الطيبة قيمة تلو أخرى، بعد كل فضيحة جديدة، تنبؤنا عن إخفاق أو زلل أو خلل نوعي جديد، ونحن نصمت أو نصفق ونبجل هؤلاء. لدي قراءتي الخاصة حول ما حدث في الكرك، فأنا ابن المنطقة والمجتمع، وأعرف كثيرا مما لا يعرفون وبه يهرفون، ولا يمكنني التوغل أكثر، فعلاوة على قداسة الدماء، وهيبة الشهداء..ثمة في الفم ماء.
فقولوا خيرا أو اصمتوا يا هؤلاء، وكل الجرائم يمكن التغاضي عنها أو التسامح بها سوى هذه الجرائم، فالصمت عنها هو الجريمة بحد ذاتها، والصمت أيضا هو القانون الذي يشرعن لها لتستشري في الوطن والنفوس، حيث لا مجال لعلاجها حينئذ.
فلا تتعاموا او تتغابوا إن شئتم الخير لأنفسكم وللناس والوطن.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير