المخابرات الأردنية مخلب النمر
الثلاثاء-2016-06-11

جفرا نيوز -
كتب – هبوب الجنوب - خاص
في الأردن يوجد لمؤسسات الدولة عقيدة تستحق التأمل فيها ...وهي ليست عقيدة تناقض سياسة الدولة بقدر ما تتوافق والشخصية الوطنية الأردنية , مثال ذلك أننا نملك معاهدة سلام مع إسرائيل وهي قانونية ودولية , ولكن عقيدة المؤسسات في الدولة ما زالت تتعامل مع إسرائيل على أنها عدو شرس وخطر ..
تلك مقدمة لابد منها ..تلزمني بالحديث عن عقيدة مؤسسة في الأردن هي الأخطر والأهم والأكثر إستراتيجية ...في بلادنا لم يسجن رئيس وزراء ومن النادر أن يسجن وزير , ولكن مدير المخابرات إن أخطأ يسجن ..ذاك أن الخطأ في العمل الأمني هو خطيئة لا تغتفر ...وهذا جزء من عقيدة المخابرات الأردنية ..وهذا ما يفسر قيام الدولة بتحويل مدير سابق للقضاء , وهذا التحويل لايقع في إطار الأمر العادي هو يقع في إطار حرص الدولة في الأردن على أن يكون هذا الجهاز كاملا ولا أخطاء فيه .
في بلادنا يتمنى أي باحث أن يتعرف على ملفات المخابرات الأردنية , علما بأنها الملفات الوحيدة في الدولة التي لم تفتح ..وهذا أيضا جزء اخر من عقيدة تلك المؤسسة ..والسبب أننا مخابرات , تعتمد التأهيل في العمل الأمني ..فهي لاتقوم على نظرية العقاب بقدر ما تقوم على نظرية إصلاح الإختلالات ..وإعادة تأهيل المخطيء..
وفي الفترة الأخيرة طرح في الشارع الأردني سؤال ملح عن عملية (البقعة ) وهل تعتبر إختراقا أمنيا ؟...وهذا ما أود أن أستعرضه بإسهاب ...
حين حدثت كارثة 11 سيبتمر , أعتبر الأمر قصورا أمنيا وإختراقا خطيرا لأكبر مؤسسة إستخبارية في العالم وهي :- (السي اي ايه) لأن منظومة الطيران المدني إخترقت , والمنظومة الإقتصادية هي الأخرى إخترقت , والأهم أنه أمريكا تم ضربها بعملية نوعية وفريدة ...وحين حدث الهجوم الأخير على فرنسا أعتبر الامر إختراقا أمنيا ..كون ماحدث كان يمكن تفاديه , عملية البقعة ..في التحليل الأمني لا تعتبر إختراقا والسبب , أنها كانت هجوما على المخابرات وحدها ..ولم تستهدف مرافقا حيوية في الدولة , لم تكن تفجيرا منظما لمرفق إستراتيجي , ولا تقع في إطار العملية الشاملة ..مثل ما حدث في فرنسا , فالذين خططوا هم مجموعة لهم قائد ووزعت المهام ..على الأفراد وتمت بتنسيق وتخطيط ...وفي أحداث 11 سيبتمر التخطيط والتنفيذ تم على مستوى مجموعات .
إذا لنتفق أن ما حدث في البقعة كان عملية فردية , ولم يكن مجموعة منظمة لها قائد وتملك ذخيرة نوعية , وكلامي هنا لايقع في إطار التبرير ولكنه يقع في إطار تحليل أمني منطقي ..
الأمر الاخر ..في الحرب الأخيرة على الإرهاب , كنا نتوقع أن تكون خسائر الدولة الأردنية كبيرة فنحن في قلب العاصفة , والمخططات الإرهابية تستهدفنا ..ولكن ما سقط منا من شهداء في هذه المعركة , لايقاس أبدا بما قدمت مصر أو السعودية أو حتى دولة صغيرة بعيدة عن الأحداث مثل الكويت , وإذا حسبنا الخسائر فهي محدودة وضئيلة , وعلينا هنا أن نشير إلى أن المخابرات الأردنية إستطاعت أن تفكك عشرات الخلايا الإرهابية ..بمعنى اخر أنها تعمل على نظرية (درءالمخاطر) وهذا أيضا يعتبر جزءا اخر من من تكوين عقيدة تلك المؤسسة .
ثمة إشارة لابد منها هنا أيضا ...وهي أن المخابرات في عهد الشوبكي أعادت الإعتبار لعقيدتها , لابل رسختها ...فالرجل لم يعد يتدخل في القرار السياسي وإنما يحافظ على سريان القرار ...بالمقابل كانت بعض النخب في مرحلة ما ترفع صوتها لتدخلات المخابرات , وهذا الأمر يسجل للشوبكي ...والأخطر أنه تسلم إدارة الجهاز في أدق مرحلة يشهدها العالم العربي , واستطاع أن ينجز أمرا مهما ..لا أظن أن النخب السياسية تدركه أو تفهمه في الأردن وهو :- قراءة المشهد السوري من زاوية أمنية وطنية أردنية ,فالتعامل الأمني الإستخباري الأردني الدقيق والحساس هو الذي إستطاع أن يجر المعارك في سوريا على بعد عشرات الكيلو مترات من حدودنا ..بالمقابل كانت بعض القوى المرتبطة بإيران والنظام تحاول جعل الحدود ساحة معركة , وهذا الأمر خفف على قواتنا المسلحة ..ويسجل للشوبكي ولكوادر الدائرة هذه الميزة ...بالمقابل ما حدث في لبنان كان خطيرا جدا فالحدود اللبنانية اصبحت جزءا من معركة النظام والفصائل وهذا أدى في مرحلة ما لأسر جنود لبنانين وزج الحدود في ساحة للمعركة ...الشوبكي إستطاع بحسه الأمني وبعمل كوادره الخارق أن يخلق مسافة نظيفة ومريحة لقواتنا المسلحة في معارك الجنوب السوري ..وتلك سياسة أمنية ربما لاتعرفها النخب ولا حتى الحكومات ..
الشوبكي أيضا ,إستطاع إمتصاص خطر اللجوء ..وأستطاع أيضا أن يوفر قناة هائلة من المعلومات لما يحدث في سوريا ويضعها أمام السياسي الأردني ...
إذا لنتفق أن المخابرات الأردنية هي الان في أفضل حالاتها ..هي لم تخترق وإنما تؤدي أعمالا خارقة , وغاية في البطولة ...وإذا قدر لنا أن نصفها فسنصفها بمخلب النمر ذاك أن النمر هو الحيوان المفترس الذي يملك أقوى مخالب ..وهي أداته في تثبيت الطريدة ...والإمساك بها , والمخابرات أمسكت بطرائد كثيرة , ربما لايتسع المقال ولا الظرف للحديث عنها , ولكن على الناس والشعب أن يدركوا أن هذه المؤسسة تؤدي عملا خطيرا جدا وحساسا جدا ..وعلينا أن نساندها بالوعي والتفهم دون الإستماع لحديث المشككين , أو رواد المجالس الموبوءة ...وربما سيأتي زمن وتفتح هذه المؤسسة بعضا من ملفاتها كي يدرك شعبنا أنها حقنت دماء وحمت وطنا بكل بسالة وبكل إقتدار .

