النسخة الكاملة

حين صعد الكباريتي الدرج !

السبت-2016-04-16 04:21 pm
جفرا نيوز - جفرا نيوز - خالد أبو الخير ليست الكتابة عن عبد الكريم الكباريتي بالأمر السهل، فالرجل لطالما كان سهلا ممتنعاً، كأنه بيت شعر وحكمة، اختلف في شأنه ركبان. وليس من شيم الكرام كيل مدح فارغ أو "تنطع" لنقد وهجاء، إنما وضع النقاط على حروف في زمن ضاعت فيه مقاييس وعلا ثغاء. تبدأ قصة الكباريتي من البحر، زرقة، وأفقاً شاسعاً، وشوق مراكب. ومثل بحر العقبة التي جاء منها، يظل سيره الواثق إلى امتداد. بغير كثير سرد، وتعداد للمحطات التي أوصلته إلى شغل مقعد في مجلس نواب 89، وتقلبه في وزارات السياحة والعمل، 1993- 1995، إلى اختياره رئيسا للوزراء في تموز من العام 1996، ثم إلى رئاسة الديوان الملكي 2000، تبدو مرحلة تشكيله الحكومة هي الأبرز. أثبت الكباريتي أيامها أنّه رجل دولة واقتصاد، جريء حين يتطلّب الأمر جرأة، وحكيم حين تعوز الحكمة من افتقدها. دبّ بحماسه منقطع النظير، وروحه الوثابة، في أوصال القطاع العام دماً جديداً، والأهم أنّه ترك ما يتبقى..وجدلاً، ولم يرحل برحيل ظلّه وتأثيره، كما هو الحال مع كثيرين. قصة بسيطة أذكرها من تلك الأيام، فأثناء زيارته "المباغتة" إلى وزارة الصناعة والتجارة، فوجئ المراجعون والموظفون المصطفون أمام المصعد برئيس الحكومة يصعد الدرج خفيفاً، سريعاً. ترى كم رئيس وزراء يمكن أن يصعد الدرج! علاقته مع الملك الراحل الحسين تميّزت بالدفء، فقد رأى باني الأردن في أبي عون ذلك السياسي الشاب المتميز والذكي والشجاع. وعلى الرغم من ردّه على خطاب الملك الراحل الحسين، غداة استقالته من الحكومة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها الرد على ما ورد في الكتاب الملكي، إلاّ أنّ ذلك لم يؤثّر على العلاقة الدافئة مع الراحل الكبير، وقد استقبله الملك الراحل في السفارة الأردنية بواشنطن، داعياً إياه للعودة إلى الخدمة العامة بدل الاستمرار بوظيفة "عدّ المصاري"، قصة الكباريتي مع البنك الأردني الكويتي، قصة نجاح وعمل دؤوب متصل، حتى غدا اليوم صرحا مهمّاً يشار إليه بالبنان. تولّى المنصب الأول فيه في تموز 1998، واستطاع بحضوره وجهده وتعبه دفعه إلى أمام بعد تعثُّر سابق. يذكر الناس الكباريتي بأنّه من رفع الخبز، وإزاء ذلك ينقسمون، فمنهم من يعدّها مثلبة، مذكرين بالمظاهرات التي رافقت القرار، ومنهم من يستملحها، ذاكرا أنّ أبا عون قدّم دعماً مالياً قبل الرفع. دائما، جمعته بصحافيين علاقات طيبة، وحرص أن يكون قريباً من الإعلام. في صيف 1997، بعيد استقالته المدوية، قال الكباريتي لصحافيين في جلسة خاصة: "أنا قدّمت دعماً للفقراء وضعيفي الحال قبل رفع أسعار الخبز، بيد أنّ من سيأتي بعدي سيرفع دون أن يدفع!" وصدق توقعه. استهلّ الملك عبد الله الثاني عهده بتسمية الكباريتي رئيساً للديوان الملكي وتكليف عبد الرؤوف الروابدة برئاسة الحكومة، إلاّ أنّ شهر "الهدنة" لم يدم بين الرجلين، فسرعان ما وقعت احتكاكات بينهما، عكست اختلاف أسلوب الرجلين وتباين رؤاهما. يراه خصومه راديكاليا وعنيداً، يريد لكل شيء أن يسير وفق آرائه، وأحيانا يغالون ويقولون أهوائه، ويرى مناصروه فيه سياسيا يعزّ نظيره، رجل رؤى وبرنامج، يؤمن بالأردن ويسعى لخيره، لا يحابي ولا يهادن. حين ابتدرتنا الأزمة الاقتصادية العالمية، إبان رئاسة نادر الذهبي، وكانت الحكومة تؤكد أن لا تأثير لها علينا، حذّر أبو عون منها، ومن شهوة الإنفاق عند الحكومات، غير أنّ تحذيره لم يعدُ أن يكون صوتا صارخا في برية. وفي لقاء خاص جمع الملك عبد الله الثاني بنخبة من رؤساء الوزراء السابقين وجّه خطابا نقديا لأداء بعض السلطات. وعقّب في رسالة نادرة على تقرير الحريات الذي أصدره مركز حماية وحرية الصحافيين، معتبراً أنّ "حرية الإعلام جزء رئيسي من التقدم على مستوياته الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية كافة، فهي تسهم في إحداث ذلك التقدم والحفاظ عليه ودعمه، وفي المقابل فإنّ الحدّ من حرية الإعلام تسهم في تثبيت التخلف وتعميقه وإدامته". تردد اسمه لتشكيل الحكومة "البرلمانية" قبل أن يعهد بها إلى عبد الله النسور، وقيل أنّه اعتذر، وثمة من يقول: "كان لا بد لأبي عون أن يعتذر، خصوصاً مع طريقة التشكيل". من موقعه في العبدلي، ظلّ الكباريتي قريبا من وسط البلد، الذي يشدّنا جميعا الحنين إلى ذكرياته العذبة، وهو بوصلة الناس، وخصوصاً البسطاء منهم، يطلّ على مشاكلهم ومسيرة حياتهم، قبل أن يدير محرك سيارته تجاه ضاحية عبدون. وربما استذكر، وهو يرنو من شرفة بنكه إلى اللويبدة ومجمع السفريات القديم، ما قاله حكيم هندي قديم، سخر من الرغبة الصبيانية التي جاشت في صدر الاسكندر المقدوني بأن يفتح العالم على حين أنّ مساحة لا تتجاوز أقداما قليلة على الأرض، كما قال له، تكفي الإنسان حيا وميتا، مساحة إمّا أن نُثريها بعملنا وإبداعنا وذكائنا الفذّ، أو نُهملها..فتهملنا. تمضي الأيام وتتغيّر الأحوال وتتقلّب السنون، ويبقى أبو عون رقما مهمّاً، ولا بأس من تذكار بيت شعر للمتنبي لا يعرفه كثيرون: "ومن صحب الدنيا طويلاً تقلّبت على عينه حتى يرى صدقها كذبا"..ربما فيه بعض العزاء.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير