النسخة الكاملة

سقى الله أيام الابيض والاسود

السبت-2015-12-12 11:32 am
جفرا نيوز - جفرا نيوز -  منى حمزه ابو الراغب على شرفة مقهى مطلّة على وسط البلد جلسنا ، فنجانين من الشاي مع المليسّة وسرب حمام يلهو في الجو . أعمدة القلعة من هذه المسافة تبدو جديدة ، في الهواء بعض برودة ولكنها نديّة تدفيء القلب. المشهد يثير ذكريات وحنين الى زمن كأنّه بعيد ، يافطة سينما رغدان ما زالت واضحة تماما ومن خلفها البنك العربي ، يشرح لي مسارات الشوارع واسماء الاماكن أنا التي احترفت الضياع في الطرقات كأنني غريبة ، مما يثير ضحكه واحيانا انزعاجه لا سيما حين اتصل من السيارة اثناء ساعات الدوم، يبادرني عارفا :" ضايعة فين اليوم؟" يبدأ في تعداد اسماء دور السينما التي لم ادخلها يوما في وسط عمان : سينما رغدان وسينما الخيّام وسينما الحسين وزهران ، يقول سارحا :" ما زلت اذكر تلك الايام عندما كان التدخين مسموحا في صالات العرض، وصبي يدور على الحضور ينادي على ساندويشاته والكازوز واكياس من ورق تلفّ حبات الفستق السوداني والبزر . يبتسم وهو يخبرني عن ستوديو زهران ، القاعة الصغيرة الملحقة بالسينما التي تحمل نفس الاسم وكيف كانوا يقطعون الفيلم لعرض مشاهد حميمة من افلام ممنوعة . يذكرني بايام كنا نداري فيها عيوننا عن مشهد في التلفزيون اقصى درجات تصاعده العاطفي "قبلة "، في فيلم نتابعه مع الامهات والآباء على شاشة بالاسود والابيض او الوان باهتة غبشاء مقارنة بوضوح شاشات هذه الايام. كنا في ذلك الوقت نخترع حجّة كأن نجوع او نعطش او ندخل الحمام، لتفادي قبلة او عناقِا او مايوها يركض عاريا على شاطيء البحر ، اوهمسات واقتراب لا يصل الى ما نراه اليوم من تمادي في اللمس الى ما لا يمكن متابعته والاولاد حضور، لكن الفارق ان ابناء اليوم لا يرفّ لاحدهم جفنّ ولا يحوّل واحد منهم ناظريه كأن ما يحصل شيء طبيعي لا يستوجب الاشاحة او تعب بضع خطوات الى المطبخ لشرب الماء !! مذ تلوّنت الشاشات وهي تفقد مع الاعوام بقية من حياء وقيم، ولم نعد نُعرض عن المشاهد الحميمة فحسب ولكن الموت اصبح ينافس في ترويعه افلام الرعب ، والقتل الحقيقي اصبح اوسع انتشارا وقسوة مما يحذرون منه في بدايات افلام العنف . 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير