بيتر باتريك سنو يكتب : النظام في الأردن .. (الحلقة الأولى)
الإثنين-2015-08-02 01:46 pm

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - خاص - كتب – بيتر باتريك سنو ..
ما الذي دفع بالمشهد السوري إلى هذه الدموية العارمة ؟ ..في سوريا النظام السياسي هو الدولة , والدولة تختصر في النظام ...في العراق حزب البعث كان هو القائد للدولة والمجتمع ...أو هكذا كان يسميه أركان نظام صدام حسين ...وقد وصل العراق لمرحلة أن يختصر في شخص صدام ...
في مصر الشرعية كانت للثورة , والنظام في زمن حسني مبارك كان إمتدادا لهذه الثورة وحتى يستقي جزءا من شرعيتها سمي الرئيس ببطل الضربة الأولى ..ولأن الثورة هي كل شيء وأول شي , إختصرت الدولة في النظام ...أو حاولوا إختصارها ...لهذا سقط النظام عند أول منعطف , تماما مثلما حدث في سوريا في العراق أيضا .
بمعنى اخر وأكثر تبسيطا , كل الأنظمة التي أنتجت عبر بوابة الثورات كانت تطل على شعوبها من شباك مرتفع , وتنظر للثورة على أنها أعلى وعيا من المجتمع وأنها الحامية والمنقذة للدولة ...وشطبت كل شيء مرتبط بخصوصيات ثقافية أو سياسية للناس .
في العالم العربي , حتى تصبح شاعرا مهما يجب أن تطل عبر نافذة النظام وحتى تصبح كاتبا مهما , عليك أن تمجد النظام ..وحتى ينجح أي مشروع ثقافي أو إجتماعي على النظام أن يرعاه .....
ولكن الحزب لم يحمي الرئيس صدام حسين من المشنقة , والثورة لم تنقذ بطل الضربة الأولى من المحاكمة , وقيادة الدولة والمجتمع المتمثلة بحزب البعث السوري لم تمنع الرقة من السقوط في قبضة داعش , وثورة الفاتح هي ذاتها من قتلت قائدها ...
النظام السياسي في الأردن , إلتقط القصة مبكرا ...ومع أن الأردن بني عبر الهاشميين كدولة , وكدور ...إلا أن الملك عبدالله الأول , ظل يتعاطى مع المكونات الإجتماعية العشائرية للدولة في إطار الإستيعاب والشراكة , وليس بمنطق الحاكم والمحكوم ...والملك حسين , على إمتداد حكمه تعاطى مع الشخصية الشرق أردنية بإحترام , وإستطاع توظيفها في إطار بيروقراط الدولة ..وأنتج من مجتمع البداوة أساتذة , وأطباء ...والأهم أنه تعاطى مع الفلسطيني في إطار المدافع عن قضيته وفي إطار , المواطن الفاعل والشريك ...
في النهج لايوجد إختلاف بين الملك عبدالله الثاني وبين والده الملك حسين , ولكن هناك إختلاف في طريقة الحكم والأدوات ....وأهم ما يميز الملك عبدالله الثاني هو أنه تعاطى مع الدولة والمجتمع في إطار الإحترام وليس إطار الفوقية ...ودعوني ألخص سلوك النظام السياسي الأردني في ثلاثة نقاط أثناء أزمة الربيع العربي تعتبر مفصلية وهامة :-
أولها :- حين اندلعت بداية الأحداث في ليبيا كان أول تصريح للقذافي هو من أنتم ووصف الثوار بالجرذان ....الرئيس مبارك كان أول خطاب له فوقيا , ونظر للأحداث على أنها شغب وأن النظام أكثر وعيا من الشارع وأن همه حماية مقدرات مصر , في سوريا حينما اندلعت أحداث درعا ..على الفور تعامل النظام معها على أنها مؤامرة ..هدفها ضرب المقاومة , لاحظوا ردة الفعل الأولى على حدث جسيم ...بالمقابل في الأردن حين إندلعت أحداث (24) اذار ...لم يتحدث النظام أبدا , كان يدرك ..أن المشهد يحتاج لإستيعاب أكثر منه توجيها أو بيانات , لهذا رفع سقف المطالبات , وخفف القبضة الامنية ..وترك الناس تستفيد من موجة الربيع العربي لأقصى حد ...
ثانيا :- في مصر وحين بدأت الأحداث , كانت عين النخب والنظام على الموقف الأمريكي فالبعض ظن أنه سيكون منقذا ...وفي سوريا , مباشرة توجه النظام لإيران ..فهي الظهير , وهي المنقذ ..وفي ليبيا عاتب القذافي قطر ...ودول الخليج وحاول أن يتوجه لأوروبا كي تجد له حلا ولكنها خذلته ...وفي تونس , النظام وجد في الهروب حلا ....في الأردن لم يتوجه أحد إلى الغرب , ولم تنتظر الحكومة رأيا أمريكيا أو اوروبيا ...وكانت المعالجات داخلية , تعتمد على البعد السياسي أكثر من الأمني ...ثمة ثقة في الإدارة والمؤسسات ....فهنا في الأردن المؤسسات هي التي تحمي , بالمقابل في العالم العربي المؤسسات صارت جزءا من الثورة ...بمعنى أن أدوات النظام التونسي والمصري والسوري إنقلبت عليه .
ثالثا :- النظام السياسي في الأردن , كان يدرك خطورة أن يسيل الدم ...وكانت هناك أطراف داخلية , تسعى للصدام ....ولكنه إستدرك الأمر مبكرا ...حين جعل قوات مكافحة الشغب مسلحة بالهراوات فقط , وحين قدم مؤسساته الأمنية بصورة الحامي للمسيرات والإعتصامات , وليس بصورة القامع لها ...
في الأردن , هناك شيء إسمه إدارة الدولة , والنظام السياسي مبكرا أدرك أهمية هذا الشيء , حين أسس مركز إدارة الأزمات , وقوات الدرك , ومجلس أمن الدولة ..والمؤسسات المرتبطة بحقوق الإنسان ..كل تلك الأذرع أسست قبل الربيع العربي وكانت ناجعة جدا في الأزمة وتبين أن إدارة الدولة , لا تحتاج لشخص بقدر ما تحتاج لمؤسسات هي اشبه بالأذرع .....التي تساند الحكم وتقدم له أكثر من رأي .
الأردن ..هي صورة للنمط المقبول في إدارة الدولة , في الشرق الأوسط قاطبا وربما ..ميزة النظام الملكي , أنه أستدرك هذه المسألة مبكرا ..بعكس العالم العربي الذي ظل يربط كل شيء بيد القائد أو الرئيس ....
يتبع في الحلقة القادمة ...( الحلقة 2)
ملاحظة :- سوف تقوم "جفرا نيوز" بنشر سلسلة من الحلقات باسم (باتريك بيتر سنو) مرتبطة بالأحداث السياسية في المنطقة , وترحب بالاراء والردود على كل ما يطرح ...علما بأنه رأي يعبر عن الكاتب وليس موقف جفرا نيوز.

