عبد المنعم الرفاعي.. الشاعر والدبلوماسي العريق
الأربعاء-2015-03-25 03:03 pm

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - وليد سليمان - نذكره دائماً عند سماعنا السلام الملكي ((عاش المليك .. عاش المليك .. سامياً مقامهُ ... )) الذي كتب كلماته قديماً.. إنه عبد المنعم الرفاعي الشاعر المعروف ورئيس الوزراء الأردني السابق, فهو أديب وسياسي جمع بين هذين الإبداعين منذ كان شاباً في مقتبل العمر.
ولد في مدينة صور اللبنانية وتعلم في صفد وفي حيفا في فلسطين , ثم المرحلة الثانوية في عمان .. حيث عمل معلماً لسنة واحدة في عمان ثم أكمل دراسته الجامعية في بيروت قسم الآداب وتخرج عام 1937.
عاد إلى عمان واستلم مناصب سياسية عديدة أيام إمارة شرقي الأردن, وصادق الأمير عبد الله الأول بن الحسين المؤسس للأردن, وعمل معه في الديوان الأميري, وكان ذلك من خلال موقف طريف يرويه الشاعر عبد المنعم الرفاعي في كتاب مذكراته ((الأمواج – صفحات من رحلة الحياة)) للفترة من 1938 – 1961 حيث كتب ما يلي:
الشعر مع الأمير
قال الأمير عبد الله الأول بن الحسين: سمعت عنك أنك تنظم الشعر؟!.
قال الفتى (عبد المنعم الرفاعي): نعم, مولاي.
قال الأمير: فأجز لنا هذا البيت:
أيا جبلي وادي ((الرصيفة)) إننا
نزلنا الرُّبى بالسَّفح يا جبلانِ
قال الفتى: كأنكما لوحانِ من غُرة الضحى
على جبهة الأحلام يلتقيانِ
قال الأمير: وبالشَّعب بين الربوتين منازلاً حَوَيْنَ الدُّمى زيَّنَّ كل مكانِ
فقال الفتى: منازل, يا مولاي...
قال الأمير: أتصحح أقوالنا.. لقد أفسدت لُغتكم المعاهد الأجنبية, فحسبتم أَنفسكم علماء اللغة!.
قال كبير في المجلس: هذا صحيح, وقال آخر: سبحان الله..
وقال الأمير للفتى الشاعر: هيّا في أمان الله .
ولم يكن الشاعر عبد المنعم في ذلك الحين قد خبر الحياة أو علم بلغة الإمارة والوزارة.. ولم يمر وقت طويل- ساعات - حتى جاءه حاجب الأمير وفاجأه بالقول: ((سيدنا يدعوكم إلى القصر)).
قال الأمير: ((لعلنا ظلمناك هذا الصباح.. وقد وجدنا فيك الذكاء والمعرفة, فأمرنا بتعيينك كاتباً لنا)).
بدايات الدبلوماسية
وهكذا وجد عبد المنعم نفسه في خدمة أمير كريم.. وأقبل عليه رجال الحاشية يعظونه ويرشدونه وينقلون إليه رأي الأمير فيه.
ويسرد الشاعر في مذكراته قائلاً: وهكذا أخذت أتعلم الأمور شيئاً فشيئاً.. أتعلم السلوك مع الملوك, أتعلم المداخل والمخارج, أتعلم كيف أرضي النفس بإرضاء الأمير!! وقربني الأمير منه يوماً بعد يوم.
ونشأت بين الأمير وبين كاتبه الشاعر مودة وصداقة.. فتطارحا الشعر.. وتعارضا فيه, وكان الأمير إذا رضي عن مقطوعة نظمها يحب أن يهديها للفتى الشاعر لينشرها باسمه.
وها هو عبد المنعم الموظف والشاعر ينعم بصحبة الأمير في جولاته ورحلاته صيفاً إلى النجود والمرتفعات, وشتاءً إلى الأغوار الأردنية, وكان الشعر جارياً على لسان الأمير من وقت لآخر, يرويه, ينظمه, يعارضه, يسمعه, أو يطلب رأياً فيه.. فتطيب الصحبة ويزدهر الشعر وتصدح عصافيره على الأفنان أينما حل الأمير وفتاه الشاعر.
شراء الفرنجيلا!!
ويسرد ايضا الرفاعي عن نفسه قائلا:
وذات صباح نادى الأمير على كاتبه الفتى وقال:
سيزورنا ضيف من فلسطين, فاذهب واشترِ لنا من الفندق بجانب مخيمنا بعضاً من الحلوى والجبنة والفرنجيلا!!.
وكان كاتبه قد تعلم من نصائح الحاشية ان يعي كل ما يقوله الأمير, فلا يسأل ولا يستوضح ولا يتردد.. وأسعفته الحيلة على أن يعود بعد الشراء فيزعم انه جلب الحلوى والجبنة ولكنه لم يجد الفرنجيلا!! فيما إذا لم يفهم صاحب الفندق شيئاً عن هذه ((الفرنجيلا)) التي لم يفهمها هو نفسه!.
ورجع الفتى من الفندق بمثل ما قدّر, وزعم أنه لم يجد ((الفرنجيلا))...
فقال الأمير: معاذ الله.. أليس في الفندق خبز!!!.
فتعالت من رجال الحاشية ضحكات التعجب والسخرية على إخفاق الفتى فيما ذهب من أجله.. وإخفاقه فيما كان ينبغي أن يفهم!!!.
ذكريات عمان
ويروي بعض ذكرياته عن عمان موضحاً: كانت عمان قديماً وادعة سمراء, يسقيها سيل ينبع من رأس العين, وتتخللها سوق تجمع أطرافها في ثلاثة شعاب, وتتعرج إلى بعض المنازل في جبالها أدراج مرصوفة أحياناً, وأحياناً يعبدها السير على الأقدام, وتغمرها طيبة الحياة والقناعة بالعيش, وأصالة تمددت في نفوس أهلها الشمائل والمروءات. وكان الشاعر عبد المنعم الرفاعي قد سبق غيره في الإشادة بعمان مربع الصبا والشباب , فقد زاوج بين نفسه وبين عمان المدينة الحبيبة, إذ يحيلها إلى واحة تتراقص فيها خيالات العنفوان في حب صوفي فيقول:
عمان يا حلم فجر لاح واحتجبا
عفواً إذا محت الأيام ما كتبا
تطاولت فيك أشباه الرجال فما
فيك من منبرٍ إلا أنكر الخُطبا
حاشا لحبك إمّا جئتُ أذكرُه
أو أقبل الشك يوماً فيه والرِّيبا
وقد تعلق الشاعر عبد المنعم الرفاعي بعمان وجبالها وبماء رأس العين أكبر نبع فيها, وبكراسي القش وحجارة النرد والشطرنج في نواديها, وهو في هذه الأبيات التالية يرسم صورة عن ساحة سوقها عندما كانت قرية فيقول:
حاشا لصرحك أن يميلا
وبنيت فيه هوىً طويلا
فتحتُ أجفاني عليك
أضم فيك سناً جميلا
لما شربنا عند رأس
العينِ ماءكِ سلسبيلا
كانت ضفاف السيل
منزلنا المحبب والمقيلا
في ساحة السوق الصغير
ندورُ نمتلكُ السبيلا
شهدتْ كراسي القش
كم سكبتْ لنا رُطباً بليلا
شهدت حجار النرد
والشطرنج مجلسنا الطويلا
وفي العام 1939 وصل إلى عمان وفد سوري كبير برئاسة عبد الرحمن شهبندر لتقديم التعازي للأمير عبد الله بوفاة الملك غازي, وفي ساحة المدرج الروماني أقيم مهرجان قومي وحدوي ضم مئات الأحرار العرب وقال عبد الرحمن الرفاعي في تلك المناسبة وفي ذلك المكان:
وقف الصُبح باسمَ الأضواءِ
فرحاً من تعانقِ الأبناءِ
واسأل البَرّ هل به غير تربٍ جللتهُ مصارعُ الشهداءِ
ومتى الوحدة التي نرتجيها
تتخطى حدود كلِّ رجاءِ
الرفاعي السياسي
وقضى الشاعر والدبلوماسي عبد المنعم الرفاعي (23) عاماً في العمل الحكومي السياسي أيام حكم الملك المؤسس عبد الله الأول ثم الملك الباني الحسين بن طلال رحمهما الله جميعاً .. كانت أياماً وسنين حلوة ومرة صعبة ورائعة ... كما هي الحياة دائماً فيها التحدي والطموح والصراع والولاء والمحبة , والوطنية لبلده وقوميته العربية أينما ذهب وسافر واجتمع وناقش ودافع , من خلال مهماته العديدة .. أكان سفيراً أم وزيراً أم رئيس وزراء أم مندوباً للأردن في هيئة الأمم المتحدة في أمريكا.
وقد تقلد الرفاعي مناصب السفير في كل من مصر, وإيران, وباكستان, أمريكا, لبنان, بريطانيا.
وفي كتابه «الأمواج – صفحات من رحلة الحياة» يورد الدبلوماسي العديد من الأحداث السياسية والاجتماعية والخاصة التي عايشها في رحلته الطويلة في العمل السياسي سواء كان في الأردن أول دولة عربية زارها في خضم أحداث مصيرية مثل بغداد ودمشق والقاهرة... إلخ فقد أشار إلى بعض تلك الأحداث والمآزق والمهام التي كلف بها أو رافق الآخرين فيها بالذهاب لحل المشاكل السياسية التي تهم الأردن والعرب كذلك.
أحداث هامة
فقد تحدث وبشكل مختصر عن المفاصل التاريخية التالية:
- مرافقته للأمير والوفد المرافق إلى لندن لنيل الاستقلال للأردن عام 1946, ثم أحداث حلف بغداد, ثورة رشيد عالي الكيلاني, ومصدق في إيران, والوحدة ما بين سوريا ومصر, العدوان الثلاثي على مصر, الوحدة ما بين الأردن والعراق, اعتداء القوات الفرنسية على سيارته عند الحدود السورية الأردنية وإصابته البليغة ومكوثه أشهراً للعلاج في المستشفى الإيطالي في عمان, ذهابه في رحلات طويلة مع الملك الحسين لدول العالم, كفاحه المرير في هيئة الأمم المتحدة كمندوب للأردن ضد إسرائيل دفاعاً عن القضية الفلسطينية, أحداث أيلول في الأردن, وأحداث سياسية أردنية محلية أخرى.
كذلك اللقاءات والصداقة التي تعرف من خلالها على معظم مشاهير العالم في تلك الفترات القديمة في الأربعينات والخمسينات من عرب وأجانب.
وعن تقاعده في العام 1961 كتب يقول:
الاستغناء عن المناصب
ها أنا بعد تلك الخدمة في الحكومة بالعمل والجهد والدأب والتنقل والأسفار.. ها أنا أستغني عن المناصب والألقاب والمعاشات.. ها هي الأوسمة الرفيعة التي أحرزتها أحفظها في الخزانة لتدخل في عداد التحف القديمة.
ها هو التقدم والتأخر والمراسم والشكليات ألقي بها بعيداً عني.. لقد خرجت من خدمات السنين لا أملك أرضاً ولا بيتاً ولا مالاً.. ثم أبحث عما تبقى من ذخائر السنين فأجد هذا القلم وهذه الذكريات!!!.
وقد رحل عن هذه الدنيا الفانية في العام 1985 فرحمة الله عليك يا أبا عمر «عبد المنعم الرفاعي « أحد رواد الشعر في الأردن العزيز.
- See more at: http://www.nassnews.com/6452-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B9%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%82.htm#sthash.SI8SDqed.dpuf

