الفارس الوثّاب فراس الثوابي

بشار جرار

أترحّم بداية على روح الشيخ الجليل المحامي خليل الصبيحي القائل بصوته المتهدّج الوقور، من وسط البلد، من أمام المسجد الحسيني: الأردن أصيلا لا بديلا.. مر طيفه أمامي خلال متابعتي الفتى فراس الثوابي ضمن برنامج مكرس لتفاعل الجمهور مع منصات التواصل الاجتماعي. شاشاتنا نعتز بها ولا أخصص، لأن القنوات الأردنية -كما الصحف والمواقع الوطنية- جميعها غالية على مشاهديها خاصة في ديار الاغتراب والمهجر. والمسألة بسيطة ولا تحتاج إلى كلف عالية ولا بهورات إنتاجية (غرافيكس وأنميشن) ولا تقنيات ثلاثية الأبعاد ولا شاشات المحاكاة التفاعلية ولا خوارزمياتها الصُّنعية الذكية، مجرد بث مباشر أو تسجيلي حيّ لشارع أو حي عمّاني أو أي معلم تاريخي حضاري على امتداد ربوع الأردن الغالي، يفي بالغرض الأهم، ألا وهو ربط الجمهور الأردني بإعلامه الوطني، داخل المملكة وخارجها. وفيما يلي المثال كيف تكون «المحليّة» في الإعلام سر قوته.

قرة عين جده وفلذة كبد والديه، لامس شغاف القلوب. أكثر ما أفرح القلب ذلك التساؤل العفوي: كيف يعني؟ أراد فراس التروي قبل الحديث عن أحب العادات والتقاليد الأردنية إلى قلبه خلال استضافته على قناة «المملكة» قبل يومين. الدردشة بين المذيع محمد حتاملة وفراس الثوابي كانت عن هويتنا وتراثنا، لكن الحوار – في استوديو برنامج «آت جو» على الواقف- كشف عن قصة نجاح تربوية وطنية، قبل أن تكون حكاية نظْمِ جدّ لأشعار باللهجة البدوية يلقيها حفيده باقتدار يستحق الاهتمام والرعاية والمتابعة.

هنا في بلاد العم سام، تحفل الصحافة وغيرها من المؤسسات بالموهوبين. تعمل على اكتشافهم ومن ثم تسويقهم وتعهّدهم من قبل قوى حيّة تعنى بالغد، فتستثمر بالإنسان مبكرا. يذكر أبناء جيلي بعرفان برنامج «مواهب» على شاشة المؤسسة الأم التلفزيون الأردني، من إعداد وتقديم الأستاذ القدير رافع شاهين، رحمة الله عليه وجزاه خيرا على إرثه الغزير.

إقبال الناس على متابعة الفتى الأردني فراس الثوابي، الفارس الوثّاب ابن الأحد عشر ربيعا، يكشف عن جمهور متعطّش لهذا المحتوى الجدير بالدعم المنهجي المؤسسي، لا الفزعة العابرة «لايك وشير وكُمِنت!!! أراه بعيني الأب والجد فارسا وثّابا، على أمل تفعيل ما يسمى بمسارات التقدم المدرسي المتسارع الخاصة بالمبدعين القادرين على طوي السنين لا عدها أكاديميا. الأمر يستحق إمعان النظر والنظر مليا في كنزنا الأغلى وحصننا الأوفى، «الإنسان، أغلى ما نملك..» مقولة الراحل العظيم الحسين طيب الله ثراه، وكتب مقامه في عليين.

ألمعية الفتى الثوابي الذي يحلم أن يصير نسرا في سلاح الجو الملكي ليست في حفظ الشعر البدوي وأدائه. انظر إلى حركة كفيه ووقفة العز أمام مذيع «المملكة» بالزي الوطني الأردني الأصيل. لا تعني رعاية «ابننا» فراس في ميادين الشعر بالضرورة، فخلف هذا الحضور الواعد، مؤشرات على ذكاء لا بد من حسن رعايته، بارك الله في جده ووالديه وعشيرته وأهلنا الكرام في لواء ناعور ومحافظة الطفيلة.

أختم بمثال من البرامج الشهيرة في أمريكا لطلبة المدارس -القطاعين العام والخاص- بمن فيهم الذين يختارون التعليم المنزلي لاعتبارات شتى. «سْبِلِنْغْ بي» أو نحلة التهجئة! برنامج مسابقات ترجع جذوره إلى مطلع القرن التاسع عشر يتبارى فيه الطلبة في القدرة على تهجئة الكلمات الطويلة أو قليلة الاستخدام أو شديدة التخصص في بعض العلوم والمعارف. يحظى الفائز بمكافأة مالية كبرى وما أهم منها هو الرعاية والمكانة. وظيفة الطفل تكون شبه مضمونة في المؤسسات التي تقدّر الطاقات ولا تقيسها بمعايير صارت في حكم الباطلة واللاغية، كالاعتقاد بأن الدرجة الأكاديمية العليا هي المؤهل الوحيد للتوظيف أو التقدم الوظيفي أو التميز المهني. المسألة ليست تهجئة، لأن تطبيق التصحيح الإملائي كفيل بذلك، المسألة موهبة وخامة وطاقة لا يجوز أن تضيع. فراس الثوابي ومثله كثيرون بحمد الله، أمانة في أعناق القادرين في القطاعين الخاص والعام، «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون»..