منى مرعشلي.. صوت من ذهب وصمتٌ مليء بالحكايات
بين صفحات التاريخ الفني اللبناني، تبرز أسماء حفرت مكانتها في ذاكرة الجمهور، لكن قلة منها استطاعت أن تجمع بين العذوبة، الأصالة، والاختفاء الغامض.
منى مرعشلي، الصوت الاستثنائي الذي انطلق كالشهاب من برنامج "ستوديو الفن"، تركت أثرًا لا يُمحى رغم انسحابها المبكر من الأضواء، فهي الفنانة التي غابت عن الساحة، لكن صوتها بقي حاضرًا، يروي حكاية موهبة فريدة وشخصية اختارت الانعزال في ذروة العطاء.
وفي ذكرى رحيلها، نستعيد محطات حياتها، من بدايتها الباهرة إلى أعمالها الخالدة، فمنى مرعشلي ليست مجرد مطربة رحلت عن عالمنا، بل هي قصة صوت اختار أن يكون حاضرًا في ذاكرة الزمن أكثر من صخب اللحظة.
وفي مثل هذا اليوم، الـ5 من ديسمبر/كانون الأول، تحل ذكرى رحيل منى مرعشلي، التي رحلت عن عالمنا عام 2016 إثر نوبة قلبية عن عمر ناهز 58 عامًا.
ورغم سنوات الغياب، فلا تزال أغانيها تتردد في وجدان عشاق الطرب، شاهدة على موهبة فريدة صنعت بصمتها في الموسيقى العربية.
وُلدت منى مرعشلي في الـ15 من يوليو/تموز 1958 بحي المصيطبة في بيروت، ورحلت بعد شهرين فقط من فقدان والدتها، تاركة خلفها إرثًا موسيقيًّا لا يُنسى.
بداية لامعة من "ستوديو الفن"
انطلقت رحلة منى مرعشلي في عالم الفن وهي لا تزال في الخامسة عشرة من عمرها، عندما شاركت في برنامج "ستوديو الفن" عام 1973. أبهرت بصوتها القوي وأدائها المتميز لأغاني كوكب الشرق أم كلثوم الجمهور والحكام حينها، ما جعلها حديث الساحة الفنية.
كان هذا البرنامج بوابةً لتألقها ولفت الأنظار إلى موهبتها الاستثنائية التي جعلتها محط اهتمام الملحنين والشعراء.
شعبان عبد الرحيم.. صوت البسطاء وأيقونة السياسة الشعبية
تعاونات فنية مع عمالقة الموسيقى
تعاونت منى مرعشلي مع كبار الملحنين والشعراء في لبنان والعالم العربي، مثل الأخوين رحباني، زياد الرحباني، فيلمون وهبي، فيصل المصري، ومحمد ماضي.
ومن أبرز أعمالها التي خلّدت اسمها في الأذهان: "شمس المغارب" التي أصبحت جزءًا من التراث الموسيقي الإذاعي اللبناني، بالإضافة إلى أغنيات شهيرة مثل "يا شمس عمري غيبي"، "لك شوقة عندنا"، و"علشان عيونك".
الانسحاب المفاجئ.. قرار مليء بالغموض
رغم النجاح الكبير الذي حققته، فاجأت منى مرعشلي جمهورها بقرارها الابتعاد عن الساحة الفنية في وقت مبكر. قرارها، الذي يشبه الاعتزال، أثار تساؤلات عديدة، لكنه لم ينقص من قيمة ما قدمته.
وبقيت أغانيها شاهدة على موهبتها، وصوتها الذي كان يلامس القلوب يردد أصداء حضورها رغم الغياب.
إرث خالد رغم الغياب
رحلت منى مرعشلي عن عالمنا قبل ثماني سنوات، لكنها تركت إرثًا موسيقيًّا خالدًا، فصوتها الشجي وأغانيها التي تحمل عبق الزمن الجميل ستبقى محفورة في وجدان عشاق الفن الأصيل، شاهدة على مسيرة قصيرة في الزمن، لكنها طويلة في الأثر، فهي اسم لا يغيب عن ذاكرة الموسيقى اللبنانية، ورمز لصوت يصدح بالحنين والجمال.