أنامل الحلوى بين مرارة الموت والدمار في قطاع غزة
في اليوم السابع والثلاثين بعد المئتين، من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لبس فيها القطاع المحاصر ثوب الدمار في كل مناحي الحياة اليومية.
لكن في فرنها الطيني الذي تستخدمه ديما البحيصي (22 عاما) من دير البلح، تخرج للمواطنين أطباقا مختلفة من الحلويات الشهية، وتبدع في ذلك، وهي مثل غيرها، نزحت من مكان سكنها إلى مكان آخر داخل حدود مسقط رأسها دير البلح.
وصنع أطباق الحلوى كان "هواية" قبل سنتين، ورغم ذلك، كانت ديما قبل بدء العدوان الإسرائيلي في 7 تشرين الأول الماضي، تصنع أطباق الحلوى بشكل لائق، وكان من المقرر أن تدرس فنون الطهي هذا العام في الأردن. و"كان للقدر رأي آخر". قالت البحيصي لمراسل "وفا".
في الوضع الحالي، ما زالت البحيصي تصنع أطباقا مختلفة الحلوى، لتوزيعها على المواطنين ضمن مبادرات يقوم عليه شبان وبعض الجمعيات في القطاع، وظهرت في أكثر من مقطع مصور وهي تفعل ذلك، وقصتها واحدة من آلاف القصص الغزية الماثلة رغم العدوان المدمر على القطاع.
وهذا لا يخفي أن الفتاة فقدت عملها بسبب العدوان، فمنظمة العمل الدولية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أكدا أنه حتى 31 كانون الثاني الماضي، تم فقدان قرابة 201,000 وظيفة في قطاع غزة بسبب العدوان المستمر، وهو ما يمثل قرابة ثلثي إجمالي العمالة في القطاع.
وقالت منظمة العمل الدولية إنه في حال استمرار العدوان حتى نهاية شهر آذار 2024، فمن المتوقع أن يصل معدل البطالة السنوي لعام 2024 بأكمله إلى 42.7%، وفي حال استمرار العدوان لربع ثانٍ، أي حتى نهاية حزيران 2024، فمن المتوقع أن يرتفع المعدل السنوي للبطالة إلى 45.5%.
في هذه الظروف، كيف استمرت الفتاة التي لم تجنِ من عملها الآن أي ربح مادي، في صنع الحلويات؟.
بالنسبة لها، فإن الموضوع يأخذ طابعا إنسانيا، قالت: "الأسعار في القطاع خيالية، يصلني الدعم لأصنع قوالب الحلوى، وأتعب في ذلك، لتوزيعها مجانا".
في اليوم السادس من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تركت بحيصي منزلها ونزحت إلى منزل أحد أقربائها المجاور لمدرسة إيواء نازحين، ومخيم للنازحين.
الأرقام التقديرية تقول إن قرابة 1.9 مليون مواطن نزحوا خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدوانها برا وبحرا وجوا على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، ما أسفر عن استشهاد 36224 فلسطينيا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 81777 آخرين، فيما لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض.
وكانت الفتاة التي تحدثت كثيرا عن صعوبة الحياة في غزة خلال أشهر العدوان، ما زالت تعد الحلوى باستخدام الغاز الطبيعي، وهو الطريقة الأكثر تناسبا لصنعها، وظل الأمر على ذلك حتى قبل أربعة أشهر من اليوم، عندما بدأت مقومات الحياة بالنفاد، وأخذت أسعار الحياة بالارتفاع بشكل جنوني، وأصبح على الفتاة البحث عن طرق أخرى.
"سمعتُ أن إحدى النساء النازحات تريد بناء فرن طيني، قالت لي تستطيعين استخدامه في صنع الحلوى".
اليوم، وبعد أربعة أشهر تقريبا، تصف الفتاة نفسها أنها متمرسة في إعداد الحلوى باستخدام النار، لكن منطقيا تبقى جودة الحلويات باستخدام الغاز أفضل.
في قطاع غزة، المكان الذي تمارس فيه إسرائيل تجويعا واضحا لأهله بسبب عدوانها المستعر، وإغلاقها المعابر، أمكن للبحيصي الالتفاف قليلا على ذلك الأمر، بصناعتها أنواعا مختلفة من أطباق الحلوى. لكن، كم يستغرق طبقا من الحلوى وقتا لذلك؟
"يجب أن تحمل ديما طبق الحلوى الخام "قبل طهيه" من المنزل الذي تسكن فيه حاليا، إلى الفرن الطيني في أرض مجاورة، أحتاج لكل طبق سبع دقائق مسافة الطريق".
هذه ليست المشكلة الوحيدة، فلصنع قطعة حلوى في غزة المحاصرة، لن تجد كل المكونات الأساسية، لكن استطاعت البحيصي حل تلك المشكلة أيضا.
تقول: "أستبدل بعض المكونات بأخرى غير متوفرة تفي بالغرض، عملية معقدة في هذه الظروف". قالت الفتاة.
على أقل تقدير، تعد البحيصي أطباق الحلوى مرة كل أسبوع، لتوزيعها على المواطنين في مخيمات النزوح.
وفا