تعرف على أصل مهنة وكلمة المسحراتي
اصحى يا نايم اصحى وحّد الدايم.. وقول نويت بكره ان حييت.. الشهر صايم والفجر قايم.. اصحى يا نايم وحّد الرزاق.. رمضاااان كريييم".. كثير منا يتذكر هذه الكلمات، التي أبدع في كتابتها الشاعر الكبير "فؤاد حداد"، وقام بتلحينها وغنائها الفنان الكبير "سيد مكاوي"، تلك الكلمات التي كانت عنوان شهر رمضان الكريم، وصورة لا يكتمل الشهر بدونها حتى أصبحت تراثاً إسلامياً يرتبط بشهر الصيام، بحسب الموقع الرسمي لهيئة الاستعلامات المصرية.
ومع أن مهنة المسحراتي- المهنة التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالتقاليد الشعبية الرمضانية- اختفت نوعاً ما هذه الأيام، بسبب التقدم التكنولوجي من منبهات وتطبيقات على الهاتف المحمول، إلا أن هذه المهنة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشهر رمضان، لذلك أُطلق عليها مهنة الـ30 يوماً.
أصل كلمة المسحراتي
كلمة المسحراتي مشتقة من كلمة سحور، والمسحِّر هي وظيفة أو مهمة يقوم بها شخص لتنبيه المسلمين ببدء موعد السحور، وبدء الاستعداد للصيام، حيث يقوم المسحراتي بالانطلاق في الشوارع ليلاً قبل صلاة الفجر بوقت كافٍ، يحمل في يده طبلة وعصا، ينقر عليها صائحاً بصوت مرتفع "اصحى يا نايم اصحى وحد الدايم". وفي بعض الأحيان كان المسحراتي ينادي أسماء الأطفال في المنازل، الأمر الذي يجعل الأطفال ينتظرون المسحراتي لسماعه ينادي عليهم.
أصل مهنة المسحراتي
بدأت تلك الوظيفة مع بدء التاريخ الإسلامي، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لجأ المسلمون لفكرة تشبه المسحراتي لمعرفة وقت السحور، في ظل عدم وجود ساعات أو طريقة للاستيقاظ. وكان ذلك من خلال مؤذن النبي "بلال بن رباح"، أول مؤذن في الإسلام. فكان الناس يعرفون وقت السحور بأذان "بلال"، ويعرفون المنع بأذان "ابن أم مكتوم".
مهنة المسحراتي في مصر
ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، تعددت أساليب تنبيه الصائمين، وانتقلت مهمة المسحر إلى مصر حيث بدأت مهنة المسحراتي عام 853 ميلادية، وكان والي مصر العباسي "إسحاق بن عقبة"، قد لاحظ أن الناس لا ينتبهون لميعاد السحور، فكان أول من طاف شوارع القاهرة ليلاً في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور، فقد كان يذهب سائراً على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط، إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي الناس بالسحور، قائلاً: "عباد الله تسحروا، فإن في السحور بركة".
ومن هذا الوقت أصبحت فكرة التسحير مقبولة عند عامة الناس كون أن الوالي بنفسه أول من عمل بها.
وفي عصر الدولة الفاطمية، أمر الحاكم بأمر الله، الناس أن يناموا مبكراً بعد صلاة التراويح، وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا المسلمين للسحور، حتى تم تعيين رجل للقيام بتلك المهة، أطلفوا عليم اسم "المسحراتي"، كان يدق الأبواب بعصا يحملها قائلاً: "يا أهل الله قوموا تسحروا".
إحياء المهنة من جديد
كادت مهنة المسحراتي تندثر في بلاد المحروسة، إلى أن جاء العصر المملوكي، وتحديداً في عهد السلطان "الظاهر بيبرس"، والذي عمل على إحيائها كتراث إسلامي، ولتحقيق ذلك قام بتعيين صغار علماء الدين بالدق على أبواب البيوت، لإيقاظ أهلها للسحور، وبعد أكثر من نصف قرن، وتحديداً في عهد الناصر "محمد بن قلاوون"، ظهرت طائفة أو نقابة المسحراتية، والتي أسسها "أبو بكر محمد بن عبد الغني"، الشهير بـ"ابن نقطة".
كان "ابن نقطة"، المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر "محمد بن قلاوون"، وعلى يديه تطورت مهنة المسحراتي، فتم استخدام طبلة صغيرة، والتي كان يُدق عليها دقات منتظمة، وذلك بدلاً من استخدام العصا، هذه الطبلة كانت تسمى "بازة"، ثم تطورت مظاهر المهنة، فأصبح المسحراتي يشدو بأشعار شعبية، وقصص من الملاحم، وزجل خاص بهذه المناسبة. كما كان يقوم المسحراتي بتدوين أسماء كل من يرغب في النداء عليه لإيقاظه، العادة التي عرفها وأحبها الكل وظلوا في انتظارها من رمضان لرمضان.
المسحراتي والتطور التكنولوجي
ومع التطور التكنولوجي، وظهور التليفزيون والراديو، اندثرت مهنة المسحراتي، لكن اهتم بها الفنانون والشعراء وقاموا بتوثيق هذه المهنة من خلال نقل تلك الوظيفة إلى شاشة التليفزيون وميكروفون الإذاعة؛ ليستخدموا أحدث التقنيات لإيقاظ الناس للسحور، ومنهم الشاعران "بيرم التونسي" و"فؤاد حداد" والفنان الراحل سيد مكاوي.
وعن أجر المسحراتي، فهو لم يكن يأخذ أجراً، وكان ينتظر حتى أول أيام العيد يمر على المنازل، منزلاً منزلاً، معه طبلته ويظل يدق عليها، وكان الناس يعطون له المال والهدايا والحلويات وتبادل عبارات التهنئة بالعيد السعيد.