بين الصدّيق والفاروق
جفرا نيوز - رقية القضاة
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلتحق بالرفيق الأعلى،والصحابة رضوان الله عليهم يبايعون الصدّيق بالخلافة ،ويسمّى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم
ويحمل الصدّيق الأمانة وهو يدرك ثقلها ،ودقّة المرحلة التي تمرّ بها الامّة المسلمة ،يلزم الصدّيق المستخلف نفسه ،أن لا ييلين أو يتهاون في جزئية من الدّين مهما دقّت أو جلّت،{والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلّم لقاتلتهم عليه،فتنتهي حرب الردّة باعظم النتائج وقد قويت شوكة الإسلام واستقام أمر البلاد والعباد
والصدّيق الخليفة الأمير ،يعرف أنّه خلق ضعيف ،والموت أقرب غليه من حبل الوريد فيسأل ربه ملحّا بدعاءه أن لا يفتنه أو يحبط عمله فيقول في دعاءه {اللهم اجعل خيرعمري آخره ،وخيرعملي خواتمه وخير أيامي يوم القاك فيه
ويبعث الصديق الجيوش الربّانية تحمل الخير ويشرى العدالة والرحمة للأمم التي تنوء تحت حكم الإقطاع والظلم بكل الوانه وانواعه ،وبعث اسامة بن زيد الذي جهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد التحق بالرفيق الاعلى قبل انفاذه ،فيصبح اوّل تلك البعوث المنطلقة الى الشام في عهد الصدّيق،والخليفة يمشي راجلا إلى جوار اسامة يوصيه بتقوى الله والبرّ والرحمة بالإنسان ايا كان جنسه أو لونه اودينه
وتظل الوصية الراشدة منارا لكل فاتح او غاز في سبيل الله ،وهي تنضح برقيّ هذا الدين وعظمته ،ودقة الفهم لهذا الدين وشريعته عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ،وزيد يصغي بقلبه وعقله وهو مدرك لعظم مهمته وسموّ الهدف الذي يقطع القفار ويجوب الارض من اجله ،وهو أن تعلو كلمة لا اله الا الله محمد رسول الله ،وأن تبقى خالدة في العالمين
(يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني:لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم الله عليها.
لبمثل هذا العدل ساس الصدّيق الرعيّة التي إتمنته على دينها وحياتها وما كان ثاني اثنين ليضيّع عهد صاحبه ،وظل حريصا على المسلمين حتى وهو على فراش الموت رضي الله عنه
ولمّا حضرته الوفاة رضي الله عنه فى يوم الإثنين لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة13هجرية ،وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال دعا اليه عثمان بن عفّان فقال: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلًا إليها، حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدّق الكاذب، إنّي استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطّاب، فاسمعوا وأطيعوا، وإنّي لم آلو الله ورسوله وديني ونفسي وإيّاكم خيرًا، فإن عدل فذلك علمي به وظنّي فيه، وإن بدّل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
ولم تخب فراسة الصدّيق فيه، فقد والله استقام على أمر الله واتّقاه في رعيته، وفي نفسه، اختطّ البكاء في وجهه خطّين أسودين، وكيف لا يبكي من حمّل أمانة العباد، فحملها مشفقاً: "لو أنّ دابّة عثرت في العراق لسألني الله عنها لِمَ لم أسوّ لها الطريق"، لم يقتل عمر شعبه بيده، ولم يكنز مال الأمة في مخباته، ولم يصمّ أذنيه عن حاجاتهم وضراعتهم، بل وجد نفسه مسؤولًا حتى عن عثرات الدواب!! مناجاته لنفسه: "ليتني لم أكن شيئًا، ليتني كنت نسيًا منسيًا" ونقش خاتمه " كفى بالموت واعظًا يا عمر".
ولقد كان مثلًا لا يتكرر في عفّة اليد عن مال المسلمين فهو يقول: "إنّي أنزلت نفسي من مال الله منزلة والي اليتيم، إن أيسرت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، فإن أيسرت قضيت"، بين كتفيه ثلاث رقاع في ثوبه، تقول له ابنته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها: "يا أمير المؤمنين لو اكتسيت ثوبًا ألين من ثوبك، وأكلت طعامًا هو أطيب من طعامك، فقد وسّع الله من الرزق، وأكثر من الخير"، فقال: "إنّي سأخاصمك إلى نفسك، أما تذكرين ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى من شدّة العيش، وكذلك أبو بكر؟" فما زال يذكّرها حتّى أبكاها، فقال لها: "أما والله لأشاركنهما في مثل عيشهما الشديد، لعلّي أدرك عيشهما الرّخي".
كان عهد عمر مليء بالفتوحات، والازدهار، فتح الفتوح، وكتب التّاريخ للمسلمين، وجمع القرآن في المصحف، ودوّن الدواوين، فقفز بالدولة الإسلامية قفزة حضارية نوعيّة فامتدت أوردة الحضارة الإسلامية تغذّي الأرض من مشرقها إلى مغربها، ويرقب أعداء الله امتداد دينه القويم، ومناعة حصن الإسلام الحصين وعمر الفاروق، يقف حارسًا أمينًا على مكتسبات الأمة، كما هو حارس أمين على حرمات الله، فتمتد يد الغدر الآثمة المثقلة بأحقاد المجوسية البائدة، فتغمد خنجرها الحاقد في خاصرة الخليفة الطاهر العادل، ويعلم أن قاتله كافر مجوسيّ فيقول: "الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدّعي الإسلام"، ويرسل ولده عبد الله إلى عائشة أم المؤمنين يطلب أن يدفن إلى جانب صاحبيه في حجرتها، فيجدها تبكي عمر، وتستجيب عائشة لطلبه قائلة: "لقد كنت أريده لنفسي ولأؤثرنه به اليوم على نفسي".
فيدفن إلى جوار صاحبيه غير مغيّر ولا مبدّل. ويكتب عدل عمر ورحمته بالرعية وحرصه على الاسلام يكتب حسنة في صفحة الصديق الذي ولّاه امر الأمة من بعده
رضي الله عنهما وعن الصحابة اجمعين