التربية والتعليم والعمل الإضافي في جرش

جفرا نيوز - بقلم: علي طه النوباني
 
لَمْ يَعُدْ هنالِكَ أيَّةُ قِيمَةٍ لِلمَعايير والأَنظِمَةِ، فَالمَسؤُولُ يُغَيرها بجَرَّةِ قَلَم غَيرَ عابِئٍ بحُقوقِ النّاسِ، وَلا بِمَعاني الحَقِّ والباطِلِ وَلا حَتّى بالحَلال والحَرام.
 
قَبْلَ عامَينِ كانَ مِعْيارُ عَمَلِ المُعلِّمينَ في العَمَلِ الإضافيّ مُعتَمِداً عَلى عَلامَةِ الامتِحانِ الذِّي تُجْريهِ الوزارة لاختيار أفضل المُتَقَدِّمِين، ثُمَّ تَمَّ تَغيير المِعيارِ بِحيثُ لا يَجوز إِعادَةُ تَكلِيفِ أَيِّ مُعَلِّمٍ عَلى حِسابِ التَّعليمِ الإِضافيّ إِلا بَعدَ مُرور عامَينِ بِاستِثناءِ التَّخَصُّصاتِ الَّتِي لا يَتوفَّرُ لَها مَخزونٌ مِنَ المُتَقَدِّمِينَ وَيوجَدُ حاجَةٌ فِعلِيَّةٌ لاستِمرارِ التَّكليفِ، وَذلِكَ حَسبَ كِتابِ وَزِيرِ التَّربِية رَقَم 6/44/2680 بتاريخ 13/8/2020.
 
وَعَلى الرّغمِ مِنْ أَنَّ هذا التَّعدِيلَ لا يَبْدو عادِلاً لأَنَّهُ يُلْغِي كُلَّ مَعايير قِياسِ الكَفاءَة كَعلامةِ الامتِحان الذي تُقيمهُ وِزارَةُ التَّربِيَة والتعليم، وَالمُعدَّل التَّراكُمِي في الجامِعة، وَمُعَدَّل الثانَويَّة العامَّة، أقول على الرغم من الظُّلمِ والغُبنِ اللذينِ يَفوحان مِن بَينِ ثَنايا تِلكَ التَّعليمات إِلا أَنَّ مُديرِيَّةَ تَربِيةِ جَرش قَد تَجاوَزَتْ ذلِك إلى ما يُحَقِّقُ ظُلماً وَجُوراً مُضاعَفاً في برنامَجِ تَعويضِ الطَلَبَةِ للفاقِد التَّعليمِيّ؛ فَقامَتْ بِتَشغِيلِ مُهَندِسينَ لِتَعلِيمِ الرياضيات رغم وُجودِ مُعَلِّمينَ مِمَّنْ تَخَصُّصُهُمْ رِياضِيّات يَنْتَظِرُون في طابور البَطالَةِ الطَّويل. 

وإِذا كانوا قَدْ قاموا بِذلِكَ في بَرنامَجِ تَعويضِ الفاقِد التَّعليمي؛ فَما الَّذي سَيَمنَعُهم مِن تِكرار ذلِكَ في بَرنامَجِ العَمَلِ الإِضافيّ رغمَ مَعرِفَتهِمْ الأَكيدَة بِأَنَّ هُنالِكَ مَنْ هُم أحقُّ بالعمل مِمَّنْ تَخَصُّصُهُمْ رِياضِيات وَيَنتظرونَ دَورَهُم. وَما الَّذِي سَيَمْنَعُهم مِن فِعلِ ذلِك في كافَّةِ التَّخَصُّصاتِ إِذ أَنَّ كَونَ شَخصٍ يَعنِيني مُعلمَ رِياضيات هُوَ الَّذي جَعَلَنِي أُتابِع هذا الجانِبَ مِنَ المَوضوع.
 
لَقَدْ تَجاهَلتْ مُدِيرِيَّة التَّربِيَةِ والتَّعليم لِمُحافَظَةِ جَرَش التَّعلِيماتِ المَنشورةَ على مَوقِعِ وَزارةِ التَّربِيَةِ والتَّعليمِ، والَّتِي تَقولُ حَرفِيّاً: "الأَوْلَويَّةُ في التَّعيينِ لِحَمَلَةِ التَّخَصُّصِ الجامِعِيِّ لِلمَبْحَثِ التَّدريسيّ، وَإذا لمْ يَتوفَّر متقدمين من التَّخصُّص المَطلوب، يَتِمُّ اللُّجوءُ لِتَخَصُّصاتٍ بَدِيلة" وَأَعتَذِرُ عَنِ الخَطأ النَّحويّ الوارِدِ في الجُملة: " يتوفر متقدِّمون وليس متقدمين" فالجُملَةُ عَلى عُهدَةِ المَوقِعِ الرَّسمِيِّ لِوزارَةِ التَّربِيةِ والتَّعليم؛ وَهمْ أدرى بِمَساراتِ تَطَوُّرِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ والتَّغيراتِ الَّتي تَطرأ على نَحوِها وَصرفِها.
 
لِماذا يَتَحايَلُ المسؤولونَ عَلى التَّعلِيماتِ، فَيَقومونَ بِتَعيينِ شَخصٍ مُتَجاوِزينَ عَنْ عَشَراتِ الأَشخاصِ الَّذينَ هُم أَولى مِنهُ حَسبَ كافَّة المَعايِير، العادِلِ مِنها والظّالم. إِنها الواسِطَةُ والمَحسوبِيَّةُ! وَالواسِطة يا سادتي الكرام، لا تُؤثِّرُ سَلباً عَلى المُجتَمَع، إِنَّها فَقَط تَقولُ لِشَخْصٍ ما: "أنت فَوقَ القانُون" وَتَقولُ لِشَخصٍ آخرَ: "أنت مُواطِنٌ مِنَ الدَّرَجَةِ العاشِرة".
 
الواسِطةُ وَالمَحسوبِيَّةُ لا تَخْلِقانِ الفَوضى والكَراهِيَة، وَلا تُرَشِّحانِ المُجتَمَعَ للفَشَلِ والخُسران. إِنَّها ظاهِرَةٌ جَمِيلةٌ يَجِبُ الحِفاظُ عَلَيها لِكَي يَتَقَدَّمَ الفاشِلونَ إِلى الصُّفوفِ الأَمامِيَّةِ وَيَتَراجَعَ المُبدِعونَ إِلى الصُّفوفِ الخَلفِيَّةِ؛ ثُمَّ يَتَساءَلُ الجَمِيعُ بِبَلاهَةٍ ظاهِرَةٍ عَنِ الأسبابِ الَّتِي تُبطئُ التَّنْمِيةَ، وَتَزِيدُ البطالةَ والعَطالَةَ، وتَرفَعُ مُعَدَّلاتِ الإِحباطِ والكَراهِية، وَتَنْشُرُ التَّطَرفَ والجُنون، وَتُفْشِلُ الصِّحَّةَ والتَّعليمَ والصِّناعَةَ والتِّجارَةَ وَكُلَّ النِّظامِ الدّاخِليِّ للتَّفاعُلِ الإيجابِيِّ للمُجتَمَعات.
 
لَقَد صارَ مِنْ حَقِّنا أَنْ نَسألَ الحُكومةَ: ماذا نَفْعَلُ إِذا أُغتِصِبَ حَقُّنا مَرّاتٍ عَديدَة حَتّى بَلَغنا مَرحَلَةً لا نَكادُ نُؤمِنُ بِبَذْلِ أيِّ جهدٍ لِتَحْصِيلِهِ لِمَعْرِفَتِنا المُسبَقَةِ بِعَدَمِ تَوَفُّرِ واسِطَةٍ ثَقِيلةٍ تَمونُ عَلى مُسَنَّناتِ العَشوائِية وَاللّامَعايير الَّتي تَمَكَّنَتْ حَتى صار القانون استثناءً والحقُّ نُكْتَةً.