أحوال العالم!
مع انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، رسم أمينها العام أنطونيو غوتيريش في تقريره السنوي صورة مقلقة جدا لأحوال العالم، الذي " بات يشهد انفجارا في عمليات الاستيلاء على السلطة بالقوة مع عودة الانقلابات العسكرية "، بل إنه تحدث بصراحة عن تراجع دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في إحلال السلام العالمي، قائلا إن الانقسامات الجيوسياسية تقوّض التعاون الدولي، وداعيا إلى تجديد العقد الاجتماعي، وضمان أمم متحدة صالحة لعهد جديد.
هل هناك من هو مهتم لعودة الأمم المتحدة إلى مجدها القديم؟ وهل يستطيع السيد غوتيريش الذي يحظى باحترام الجميع أن يحدد الأسباب التي جعلت مجلس الأمن يكيل بمكيالين في القضايا الدولية؟ والأهم من ذلك، ما شكل الأمم المتحدة القادر على التعامل مع عهد جديد لعلاقات دولية عادلة ومتوازنة؟
سبق للمهتمين بالدراسات الدولية أن حذروا مرارا من أنّ النظام العالمي بدأ يتراجع إلى الخلف؛ نتيجة الحرب المعلنة وغير المعلنة بين الدول الكبرى، أي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وأنّ الحرب التجارية القائمة حاليا تتجاوز التنافس على المنتجات والأسواق، إلى حالة من الاستقطاب والتحالف السياسيّ والعسكريّ والأمني، إلى جانب التكتلات الاقتصادية، بغض النظر عن طبيعة الأنظمة التي تجمعها المصالح المشتركة، بعيدا عن أدبيّات العولمة واتفاقياتها، ونظريات الأمن والتعاون الإقليميّ والدوليّ!
لقد كانت جائحة الكورونا أحد أهم التحديات التي اختبرت الأبعاد الإنسانيّة للعلاقات الدولية؛ فقد أظهرت قدرا من الازدراء والتهميش لمجتمعات بأكملها، وإذا ما نظرنا إلى ذلك البعد غير الأخلاقي للحروب المشتعلة، وإلى ضحاياها من المدنيّين، والمهجّرين، واللاجئين؛ فسيبدو العالم أكثر سوءا من الصورة التي رسمها الأمين العام للأمم المتحدة.
نظرة في المقابل على كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يمكن أن ترينا بوضوح المنطلقات الإنسانية والأخلاقية التي يضعها جلالته أساسا لعهد دوليّ جديد، يحفظ الأمن، والسلام، والتعاون، والشراكة، من خلال الحلول العادلة للقضايا التي تهدد البشرية جمعاء؛ لأن في ذلك ما يحقق مصالح جميع الدول والشعوب على حد سواء.
يعرض جلالة الملك قضية الشراكة الإقليميّة والدوليّة لتعزيز فرص السلام والازدهار، على قاعدة الاحترام المتبادل لبناء عالم أفضل، ويقدّم القضيّة الفلسطينيّة نموذجا لأحد أهم التحديات التي تواجه العالم وأخطرها؛ فهي تؤشر من ناحية على مسؤولية المجتمع الدولي لحلّ هذا الصراع، عن طريق مفاوضات تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 بعاصمتها القدس الشريف، وتؤشر من ناحية أخرى على القدس التي يمكن أن تجمع قدسيّتها بين الديانات، وتصبح رمزا للسلام والاستقرار والازدهار.
تلك هي معادلة التحديات والفرص؛ فالتحديات يعلمها الجميع، لكن الفرص تحتاج أن يتعلمها الجميع عندما تدرك الدول حاجتها للتغيير، بل ومصالحها من أجل التغيير الذي يصحّح انحراف العالم، ويجنّبه كوارث التغير المناخي، ومآسي النزاعات والحروب والأوبئة وشح الماء والغذاء، وموت الضمير!