الكرامة.. لقطات حاسمة من ذاكرة النصر العظيم

جفرا نيوز -  كتب محمود كريشان 
 
..»سيظل جنودنا أقوياء في وجه كل عدو «أقف في أرض معركة الكرامة الخالدة المعطرة بدم الشهداء، مستذكراً بطولات جيشنا العربي الذي حقق أعظم الانتصارات وقاتل بشرف وشجاعة.. ستبقى معارك الجيش العربي وتضحياته، وأسماء الشهداء وبطولاتهم، أوسمة فخر واعتزاز، يعلقها كل أردني على صدره، وسيظل جنودنا أقوياء في وجه كل عدو، مدافعين عن ثرى أردننا العزيز». * من اقوال جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الملك عبدالله الثاني.

لعله صباح الزنود والجنود الذين رابطوا على خط النار الاول، لدحر عدو غاشم.. وقد تعاهدوا في مطلع فجر 21 آذار 1968 على الشهادة حتى تظل جذوع السنديان راسخة في اعالي السلط، وحتى لا ينشر الغزاة القتلة سوادهم على رمالنا، واحقادهم على ابواب مدارس اطفالنا، واوقدوا قناديل الغضب والنار في البواريد الاردنية، وثأرهم المخبوء من حزيران وقد اقسموا ان دم فراس العجلوني ومنصور كريشان وموفق السلطي وصالح شويعر ومحمود الحكوم عبيدات وعلي الشبول وكل شهداء الجيش الابرار.. لن يذهب هدرا.. وكان الثأر العنيف في يوم الكرامة..
 
انها لقطات حاسمة من معركة الانتصار الأردني العظيم..
 
  شهداء في المسجد الحسيني 
 
قبل معركة الكرامة بشهر تقريبا تصدى رجال كتيبة الحسين الثانية لقطعان العدو الصهيوني بمواجهة عُرفت بمعركة الثمان ساعات بمنطقة ام قيس، حيث استشهد قائد الكتيبة الرائد الركن منصور كريشان وعدد من رفاقه هم: العريف محمود عيد قاسم النسور، الجندي اول عوض محمد ابراهيم الجراح، الجندي منير احمد ابراهيم المصري، الجندي احمد حسن عبدالرحمن، الجندي محمد عقلة مصطفى عبدالرحمن، الجندي احمد عبدالله حسين، وعلي حسين العمري، وشهدت مناطق وسط البلد يوما تاريخيا خالدا عندما شيعت الجماهير والجنود جنازة الشهداء من المسجد الحسيني الكبير في مراسم شعبية حاشدة حيث اكتظت الجموع فوق الابنية المحيطة وضاقت شوارع عمان القديمة بالالاف من الذين شاركوا في تشييع جثمان الشهداء الابطال.

 الروح الجعفرية 
 
«لن يهزم جيش رجاله يحبون الموت في سبيل الله والوطن أكثر من حبهم للحياة» وهذا ما جسده بروحه «الجعفرية» على ارض المعركة الملازم الاول رقم 4807 خضر شكري يعقوب درويش من كتيبة المدفعية السادسة الذي استشهد عند جسر أم الشرط وأستشهد برغبته، مسلما أمره لله محتسبا عنده، فلم يؤثر النجاة بالاستسلام فيترك معداته وأجهزة اللاسلكي وخرائطه وشيفرات التخاطب، ليستولي العدو عليها، فتغير سير المعركة وتقلب موازين النصر، فنادى غرفة عمليات المعركة على جهاز اللاسلكي عندما أحاط به العدو: أحاط العدو موقعي، إرموا موقعي.. دمروا موقعي، إني نلت الشهادة في سبيل الله.. وبالفعل استجابت له غرفة العمليات، ورمت المدفعية موقعه، وانهالت عليه قذائف مدفعية كتيبته، ونال الشهادة برفقة من كان معه من أفراد.. كان بطلا لم تلد مثله الأمهات.
 
الحصان.. بطل من معان 

 معركة الكرامة دخلتها اسرائيل بأكثر من ثلاثة ألوية على ثلاث معابر وقد كان للدبابات الاردنية من طراز باتون وسنتوريون الفضل بالايقاع بالدبابات الغازية في سهل الكفرين والشونة والكرامة وكان لمدفعية الجيش العربي وقائدها بطل من مدينة معان وهو العميد الركن محمد صالح الصلاحات الملقب بـ»الحصان» الفضل في دك الخطوط الخلفية للغزاة في ميدان العبد وعبر مخاضات «أم الشرط» وسدرة وعند معابر الجسور، وتحسبا من ان يقوم جنود العدو بالفرار من دباباتهم تم ربطهم بالسلاسل المعدنية وقد شاهد ذلك كل سكان عمان في ساحة المدرج الروماني.
 
  فارس ذلك الصباح 

 اللواء الركن المرحوم كاسب صفوق الجازي أبرز قادة معركة الكرامة الخالدة.. كُنتَ فارس ذلك الصباح، وَوَرْدُ الشهادة يتفتّحُ في الوادي شقائق ورياحين، كُنتَ هناك اسماً يبعثُ فينا الطمأنينة وفي أعدائك الرعب.
 القصة الأخيرة 

 في ارشيف الإذاعة الأردنية أغنية نادرة للمطربة فيروز بعنوان «القصة الأخيرة» التي تألقت في الغناء لنصر الجيش الأردني في معركة الكرامة وتغزلت بالأردن وغنتها عام 1969وبعض مقاطعها تقول: ويكتب الأردن، بذهب الكرامة، بالعز بالشهامة، تاريخاً كبيراً، يكتبه الأردن وينشد الأردن، أغنية بهية، حسناء كالحرية، أغنية قدسية، ينشدها الأردن.
  للعدو ذاكرته 

 رئيس القوات الإسرائيلية الجنرال حاييم بارليف قال: ان قواتنا فقدت في معركة الكرامة ما يعادل ثلاثة اضعاف ما فقدناه في حرب حزيران، والمؤكد انه اعتاد على رؤية قواتنا العسكرية وهي تخرج منتصرة في كل معركة لكن هذه المعركة كانت فريدة من نوعها مثل كثرة القتلى والإصابات بين قواتنا والظواهر الأخرى التي اسفرت عنها المعركة مثل استيلاء القوات الأردنية على عدد من دباباتنا وآلياتنا.

 شردم.. لأول مرة 
 
 قائد سلاح الجو الملكي الأردني الأسبق الفريق اول الطيار احسان شردم: لا بد من الإشارة هنا الى انه عندما اشتدت ضراوة المعركة طلب العدو ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وقف اطلاق النار.. رفض جلالة المغفور له الملك الحسين وقف اطلاق النار رغم الضغوط الدولية ما دام هناك جندي إسرائيلي على الأرض الأردنية.
  البطل احمد علاء الدين 
 
اللواء الركن المظلي البطل احمد علاء الدين «الشيشاني» شارك في معركة الكرامة التي خاضتها قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة وقد كان يشغل منصب قائد سرية مشاة في منطقة وادي شعيب، وقد تمكن من قتل (13) جنديا اسرائيليا.
 
 مكالمة «هوائية» مرصودة 

 قائد كتيبة عبدالله بن رواحة 37 في معركة الكرامة المقدم المرحوم العميد المتقاعد فهد مقبول الغبين قال في مذكراته: في الساعة الثالثة والربع عصر يوم المعركة اتصل معي عبر الواسطة الهوائية قائد قوة الحجاب النقيب محمد سليمان السوالقة المرابط على جسر الامير عبدالله واخبرني ان العدو يقوم بقصف مدفعي وجوي على مواقعنا الوهمية.. لكنه بحقيقة الامر كان القصف ضد مواقعنا الحقيقية الامامية والخلفية، وبعد 12 دقيقة من هذه المكالمة الهوائية بيني وبين السوالقة، قام العدو بتحويل قصفه المدفعي والجوي تجاه مواقعنا «الوهمية»، حيث كنا على يقين ان العدو يرصد مكالمتنا، حيث تمكنا من رفع القصف عن مواقعنا الحقيقية مما جعلنا نتمكن من الحركة.  

خماش.. احتراف استخباري 

 ويبرز هنا الاحتراف العسكري والمهنية الاستخباراتية المتميزة للواء خماش حيث يقول نجله ماهر خماش، انه وقبل يومين من بدء المعركة كانت طائرات مستير «فرنسية الصنع» تحوم فوق الاغوار الاردنية، فوصلت المعلومة على الفور من الاستخبارات الاردنية الى قائد الجيش «انذاك» خماش الذي ادرك بفطنته وسرعة بديهته، ان هذا النوع من الطائرات مخصصة للتجسس والتصوير وطلب على الفور ان تبقى المواقع العسكرية الاردنية على حالها، كما صورتها طائرات العدو وفي مساء 
يوم 20 آذار 1968 أي قبل بدء المعركة بساعات طلب من الدبابات ان تتحرك بهدوء وقام بتغيير اماكن جميع المواقع العسكرية الاردنية التي رصدها العدو وقام ايضا بتغيير مرامي ومواقع المدفعية فوق جبال السلط وهذا ما اربك العدو الذي تفاجأ في يوم المعركة ان ما رصدته طائراته من مواقع أردنية قد ذهب ادراج الرياح.
  
مجمل العشق

 إذا.. هم شهداء الأردن، فلهم ولمن سبقهم ومن تلاهم من الشهداء، يليق الكبرياء، على ما منحوا أرواحهم من أجله، وكما قال شاعر الدولة والوطن حيدر محمود في قصيدة هذا هو الأردن:

هذي النُّجودُ مِنَ الزنود رمالُها والأوفياءُ الطّيبّونَ: رِجالُها العادياتُ: خيولُها، لم تَفْترِقْ عَنْ ساحِها.. والصّابراتُ: جِمالُها! صَحْراءُ.. إلاّ أَنّ سَعْفَ نَخيلهِا قُضُبٌ.. يَعزُّ على الدّخيلِ مَنالُها وفقيرةٌ.. لكنّ يابِسَ شيحهِا لا الأرضُ تَعْدِلُهُ، ولا أموالُها!.
ولأرواح شهداء الكرامة سلام، ولقواتنا المسلحة الباسلة في عطر الذكرى وعد ورايات عالية الطيب والنبل والبهي من زهر الكلام، وسحائب الخير في الغمام.

Kreshan35@yahoo.com