أول مسلمة قائدة لأسطول حربي

جفرا نيوز- تذكر صفحات التاريخ السيدة الأولى في كل المجالات، وفي إندونيسيا كانت "كيومالاهايتي" أول سيدة أميرال في العالم.

رغم إنجازاتها العسكرية النادرة في محاربة الغزاة، كان الكثيرون يجهلون قصتها واسمها، حتى في إندونيسيا مسقط رأسها، إلى أن كرّم اسمَها الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ومنحها لقب البطل الوطني ليسطع اسمها كأول امرأة مسلمة قائدة بحرية، شقت البحار بأسطولها العظيم من النساء الأرامل وهزمت الغزاة من البرتغاليين والهولنديين.

سلالة ملكية

في نهاية القرن الخامس عشر ولدت "كيوملاهايتي" في سلطنة آتشيه "دار السلام"، التي شارك في تأسيسها جدها الأكبر وتوالى أفراد عائلتها على حكمها.

نشأت سلطنة "آتشيه" في شمال جزيرة "سومطرة" الإندونيسية، وحكمت قرابة الـ400 عام، أسسها "علي الدين محياة شاه" واتخذ من "باندا" عاصمة له، واستطاع توسيع حدودها، وقاوم الوجود البرتغالي في ساحل الملايو.

وكانت "آتشيه" أولى الممالك الإندونيسية القديمة التي ينتشر فيها الإسلام، وأقامت علاقات قوية مع الدولة العثمانية، لكنها عانت من سيطرة البرتغاليين التجارية، ومن المحاولات المتكررة للاحتلال الهولندي، بحسب ما جاء في كتاب "دور التجارة والتجار في نشر الإسلام في جنوب شرق آسيا".

مصدر الإلهام

نشأت كيومالاهايتي -التي لقبت فيما بعد بـ "مالاهايتي" باعتبارها واحدة من أوائل بطلات إندونيسيا القومية- محبة للبحر وملمة بتفاصيله من والدها وملهمها الأول محمود سياح، الذي كان أميرالا بحريا.

في سن المراهقة، لم تفضل كسائر الفتيات في عمرها الأعمال المنزلية، ورفضت الزواج في عمر الـ15 عاما، رغم إصرار والدتها. فضلا عن ذلك، قررت متابعة حلمها لتصبح كوالدها أميرالا بحريا، بحسب ما يذكر موقع (Jakartaglobe).

حلم قتله البرتغاليون

لم يكن من الطبيعي أن تمارس النساء في تلك الحقبة وظائف عسكرية، إلا أنه تم استثناء "كيومالاهايتي" على ما يبدو بسبب نسبها المميز.

 

بعد تخرجها في مدرسة "بيسانترين" الداخلية الإسلامية، التحقت بأكاديمية معهد بيت المقدس العسكرية بالسلطنة، والمعروفة بأكاديمية آتشيه البحرية العسكرية الملكية، في ذلك الوقت.

كان للمدرسة طاقم عسكري كبير قدمته الإمبراطورية العثمانية التركية، التي كانت متحالفة مع سلطنة آتشيه آنذاك، وفي الأكاديمية التقت ضابطا بحريا أحبته وتزوجا، لكن بقاءهما سويا لم يدم طويلا بل قصيرا للغاية بسبب الحرب، فعلى الرغم من انتصار قوات آتشيه في معركة بحرية ضد الغزاة البرتغاليين في خليج هارو بجزيرة سومطرة، فإن خسائر السلطنة تجاوزت الآلاف من المقاتلين، وكان من بينهم زوج "كومالاهايتي".

أسطول من النساء

حزنت الزوجة على زوجها كثيرا، لكنها لم تسمح للحزن بهزيمتها، فكان الوقود الذي زادها إصرارا للأخذ بالثأر، فبعد مقتل زوجها في المعركة ضد الغزاة البرتغاليين، طلبت "كومالاهايتي" من سلطان آتشيه، السماح لها بتشكيل قوة بحرية من النساء اللائي فقدن أزواجهن في قتال البرتغاليين، وأمام إصرارها استجاب السلطان في النهاية.

أنشئ الأسطول النسائي باسم "اينونج بال أرمادا"، وعينت "كيومالاهايتي" أميرالا، وقادت الأسطول في عدة مناسبات، ليس فقط ضد البرتغاليين ولكن أيضا ضد الهولنديين الذين سعوا للنهب تحت غطاء المفاوضات التجارية، وفقا لموقع  (Mvslim).

معارك وانتصارات

أشرفت "كيومالاهايتي" على بناء حصن كبير على ساحل آتشيه، وكان أسطولها البحري مثار إعجاب القادة الأوروبيين في ذلك الوقت.

وفي عام 1599 هبط أسطول هولندي في مدينة باندا آتشيه، وحينها، كان الاستعمار الأوروبي للممالك الصغيرة والسلطنات التي تشكل ما يعرف الآن بإندونيسيا قد بدأ، وكانت القوى الأوروبية، في هذه المرحلة في المقام الأول البرتغال وهولندا وإنجلترا، تتنافس على النفوذ.

كان الأسطول الهولندي يطمح للتجارة بدلا عن الغزو، وقام القائدان الهولنديان "كورنيليس دي هوتمان" وشقيقه "فريدريك" بزيارة السلطان لتأسيس علاقتهما التجارية.

رحب بهما بسلام، لكن "كورنيليس" كان قد أحضر معه مترجما برتغاليا، وهو ما اعتبره السلطان إهانة لهم بسبب العداء مع الغزاة البرتغاليين.

فشنت آتشيه العديد من المعارك العنيفة ضد سفن الأسطول الهولندي، وكانت "مالاهايتي" هي القائدة فيها، ونجحت في هزيمة الهولنديين وقتلت "كورنيليس" واحتجزت شقيقه.

محاربة دبلوماسية

في معاركها ضد الهولنديين، لم تنسَ "كيومالاهايتي" ثأرها مع البرتغاليين، وواجهتهم بأسطولها في معركة ملحمية توجت بنصرها، وعينت في أعلى منصب في سلطنة آتشية آنذاك، ووفقا لموقع  (Maritimenews) وسعت أسطولها البحري ليضم مئات السفن الحربية.

عينت قائدة للقوات وحرس القصر، وكبيرة الدبلوماسيين في السلطنة، حتى أنها قادت التفاوض مع مبعوث ملكة إنجلترا إليزابيث الأولى، بعد أن أعرب لها عن رغبته في إقامة علاقات ودية مع سلطنة آتشيه على حساب منافسيها البرتغاليين، وكانت نتيجة هذه المفاوضات تاريخا طويلا للروابط التجارية الإنجليزية مع آتشيه.

مصير مكرر

في صدفة غير عادية، لاقت "كومالاهايتي" مصير زوجها، إذ قتلت على سفينتها على أيدي البرتغاليين قتلة زوجها، في معركة بحرية في خليج كريونج رايا، ودفنت في تل بوكيت كوتا دالام، الذي يبعد حوالي 21 ميلا عن مدينة باندا آتشيه.

وبقي اسمها خالدا، في العديد من الأماكن مثل الطرق والمستشفيات والجامعة التي أطلق اسمها عليها، ومنذ عامين فقط، وبحسب "جاكرتا غلوب" نشر لأول مرة كتاب عنها للأطفال بعنوان "كيومالاهايتي، لاكسامانا بيرمبوان بيرتاما" أي "كيومالاهايتي.. أول امرأة أميرال".