الجامعات تستبدل الكتاب بالبندقية
الأربعاء-2013-05-01 02:20 am

جفرا نيوز -
"أمنَنَة" التعليم أنتج عشائر متناحرة
جفرا نيوز-خاص - إبراهيم قبيلات
بعد نحو شهرين من قتل الطالب أسامة دهيسات في جامعة مؤتة؛ خنقاً بالغاز المسيل للدموع، اليوم، لم تكتفِ جامعة الحسين بتقديم "قتيل"، بل أربعة اردنيين من بينهم استاذ جامعي.
بالأمس كانت مؤتة واليوم معان.. مجتمع متواطئ و"أجهزة" بلا رؤية.. إنها الجامعات الأردنية: من "الرسالة" إلى "التسليع".
يقول الحزبيون ان المشكل في عدم سماح الدولة بالعمل السياسي للطلبة داخل الحرم الجامعي. لكن ما نفعل بطالب استبدل قتل زميله لأنه اختلف معه اجتماعيا، الى قتله لسبب سياسي.
اختصار المسألة في عامل واحد تسطيح للمشهد.. هي عوامل تراكمت أكاديميا وسياسيا وإداريا، واقتصاديا، واجتماعيا، حتى انطبق المشهد فقتل الطالب معلمه.
هكذا يراها الأكاديمي د. يوسف ربابعة: "القصة أكبر من ترهل الدولة، وأكبر من هيبة الدولة".
صورة عن نظام الدولة
"ما يدعو الى القلق ان التعليم من أكثر المؤسسات المجتمعية تأثراً بالمنتج السياسي والإجتماعي؛ وهو صورة عن نظام الدولة"... ماذا يعني هذا؟
يقول ربابعة: الواقع الجامعي الراهن بدأ يؤسس أمنيا بعد أحداث جامعة اليرموك الشهيرة في العام 1986.
"اشتغل الامني على الطلاب والمدرسين على السواء؛ حتى لا يقف الطلاب ضد سياسات الحكومة أو الجامعات".
أردني وفلسطيني
الحل كان وفق الربابعة جاهزاً: العمل على توسيع الانقسام الافقي في المجتمع: أردني وفلسطيني، وتعزيز استقطاب أبناء العشائر والمستفيدين من المكرمات؛ لخلق جسم مناهض للتنظيمات الحزبية آنذاك.
سياسات تجارية لمجتمع مدني
لكن الدولة لم تكتفِ بذلك، بل توسعت في سياستها التجارية، بدلا من "الاستراتيجية"، وفق الربابعة، الذي يرى أن النظام سحب تلك السياسة نفسها على المجتمع بعامة منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وبقيت عين الدولة على العشائر، لكن برؤية مختلفة هذه المرة.
ما هي الاستراتيجية التجارية الجديدة؟
يختصرها الربابعة بالتالي: التخلص من شيوخ العشائر التقليديين؛ لصالح شخصيات عشائرية جرى رفعها اجتماعيا وإحاطتها بالعناية.
الديوان برز كلاعب مباشر عبر منحه بسخاء كل ما يطلبه "المانيكان العشائري" من مكرمات ومنح واعطيات.. وعلى رأسها تدفق ابنائها عبر الكوتات الجامعية .. "كوتة الديوان" وكوتة ابناء العشائر، وكوتة ابناء المخيمات، وكوتة المناطق الاقل حظا.. مهما كان تحصيلهم الجامعي.
إذا نحن في طور مراحل متدرجة.
1- استبعاد الاحزاب التي دأبت على صناعة النخب الاردنية القادمة في المجتمع.
2- استبدال الاحزاب بالعشائر والكوتات التي صنعت طالبا انسجم ثقافيا واجتماعيا مع توليد "مانيكانات عشائرية صناعية واستبعاد شيوخ العشائري الحقيقيين.
3- خلخلة صناعة الثانوية العامة في الأردن، عبر فتح الباب امام الغش وخاصة في مناطق الأطراف؛ ما افرز طلابا يحملون شهادات ثانوية عامة بأرقام عالية في الوقت الذي لا يتقن فيه هؤلاء كتابة جملة عربية من دون اخطاء املائية.
الشكل الذي ظهر بعد عقد هو: معلم لغة عربية يكتب على اللوح الصفي جملة مليئة بأخطاء إملائية شنيعة.
بناء قيادة من المصفقين
يكثّف الدكتور مشهد اليوم: "بعد تقريب "المصفّقين" والإعلاء من دورهم على اعتبارات لا تتجاوز حدود الولاءات السياسية للنظام؛ أصبح المجتمع مفتتاً.
اليوم تأخذ يد الدولة بالمصفق نحو تفتيته الى جزيئات صغيرة "نووية" تستمر في الانشطار يوما بعد يوم. لكن هل اكتفى النظام وممثله "الأمن بذلك؟.
سألنا الربابعة. فأجاب: مع الربيع العربي، وتزايد منسوب الوعي السياسي في المجتمع، قرر الأمن الانسحاب وبشكل سري من الجامعات؛ ما أدى إلى توسيع دائرة الأزمة، فبعد أن كانت محصورة في "أردني فلسطيني"، اليوم، بدأت تأخذ أشكالاً جديدة لتخدم فكرة النظام. فتعرى المجتمع.
الهيئة التدريسية
لكن، ماذا عن البيت الداخلي لهيئة التدريس؟.
ما سيقوله الأكاديمي لاحقاً سيغضب زملاء له كثر، الرجل يقول: من يرضى على نفسه أن يكون متواطئاً مع الأجهزة الأمنية، بالضرورة لن يفلح في إيجاد جيل واعٍ وناضج بالحد الذي يمكنه من لفظ الهويات الفرعية والإمساك بما هو أسمى.. وسيتطوع للقيام بأي دور من دخل وظيفته بالواسطة.
بالمقابل هناك مدرسون يغرقون أنفسهم وشهاداتهم في اصطفافات جهوية ومناطقية وعشائرية وشللية تختفي معها المعايير الحقيقية للتعليم، والمتضرر المجتمع.
الجميع يتفق على أن حجم التدخلات الامنية في الجامعات الرسمية والخاصة في تزايد واضح، لكن الربابعة يضيف على ذلك: النظام حول التعليم من رسالة إلى مهنة إلى سلعة.
في المملكة كل شيء سلعة، حتى المواقف. في العموم هذه فكرة رجل الاعمال عندما يحكم.. إنها مقامرة بحق.
الدولة ضريرة ومقطوعة اليد ايضا
يد الدولة كانت مقطوعة وهي تقود مواطنيها إلى مجتمع مدني تضبط حركته القانون والعدالة الاجتماعية. الدولة قادت بيدٍ مقطوعةٍ وعينِ ضريرٍ المواطنَ إلى نظام المكارم والأعطيات والمحاصصة، وبالتالي المجتمع يقف في المنطقة الرمادية.
ما الحل؟
هو، إما مراجعة واضحة وشاملة أو الاستمرار في إدارة الدولة بالعقلية الحالية، وفق الدكتور ربابعة الذي يحذر: "السقوط والاحتراب الاهلي ليس بعيداً".
كل ذلك يجري والمجتمع مستسلم، "لمعزوفة نعمة الأمن والأمان".
الجميع تحدث حول الأسباب التي تقف خلف العنف الطلابي المتزايد، وخلصوا إلى أنها متعلقة بمستوى التعليم ومعايير القبول الجامعي، والتدخل في انتماءات الطلاب الفكرية و السياسية، وكذلك أسس تعيين الإدارات والأساتذة.
لكن الدكتور الربابعة يرى أن المسؤول الأول عن خلق هذه البيئة المشبعة بالكراهية والعدوانية وضعف إدارتها هو الأجهزة الامنية وبدعم من متنفذين منتفعين.
الطالب بهاء الشوخة، يود أن يتجاوز برأيه أوراق الندوات واقتراحات المقترحين ومخرجات المؤتمرات؛ ليضع يده على الجرح، يقول: ما يحدث في جامعات الجنوب تحديدا ليس صدفة، ولا عنفا جامعيا".
ما هو إذاً يا بهاء؟
"هناك رعاية رسمية لعنف ممنهج، بهدف تفكيك النسيج المجتمعي والقضاء على أي بادرة شعبية تلوح في الأفق في سبيل الضغط من أجل الاصلاح واسترداد الوطن.
واقع التعليم اليوم، ينبئ بمرحلة خطيرة من العنف المجتمعي، ما دامت العقلية الضريرة تقود الدولة ومؤسساتها ومواطنيها، وما جامعاتنا إلا نموذج مصغر لما يمكن أن يجري في القريب.

