النسخة الكاملة

ضباب سام يخنق سكان كاليفورنيا

الأربعاء-2025-12-17 12:47 pm
جفرا نيوز -

تخيم منذ أسابيع سحابة كثيفة من الضباب الإشعاعي على وادي كاليفورنيا الأوسط، في ظاهرة مناخية موسمية تحولت إلى أزمة صحية وبيئية حقيقية.

وامتد الضباب الكثيف لأكثر من 400 ميل، مغطيا أكثر من عشرين مقاطعة، ومحولا المنطقة إلى مشهد أشبه بفيلم خيال علمي.


وما بدا في البداية كضباب عادي، سرعان ما كشف عن خطورته عندما بدأ السكان بالإبلاغ عن أعراض صحية غريبة. وكان جيرالد ديبرالانتا، أحد سكان مدينة تراسي، من أوائل من لاحظوا العلاقة، حيث عانى هو وعائلته من سعال شديد واحتقان دام لأكثر من أسبوع. وقال ديبرالانتا بينما كان يشارك مقاطع فيديو تظهر سيارته مغطاة بطبقة بيضاء غريبة، لم تكن مجرد قطرات ماء بل مادة أشبه بالغبار تلتصق بالأسطح: "أبقينا أجهزة الاستنشاق الخاصة بالأطفال قريبة، ونحاول إبقاءهم في الداخل قدر الإمكان".

 

ولم تكن حالة ديبرالانتا وحده، فقد انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة على "تيك توك"، عشرات الشهادات لمقيمين يعانون من أعراض مشابهة، حيث اشتكى أحدهم أنه يسعل منذ ثلاثة أسابيع دون استجابة لأي علاج، بينما اشتكت أم من تفاقم إكزيما أطفالها، وآخرون من صداع متكرر وآلام في الصدر لم يسبق أن عانوها من قبل.

لكن الخبراء يوضحون أن الضباب نفسه ليس هو المتهم المباشر. فالضباب الإشعاعي، المعروف أيضا باسم "ضباب تول"، هو ظاهرة طبيعية تتكون عندما تبرد الأرض بسرعة بعد غروب الشمس. ويكمن الخطر الحقيقي في ما يصاحب هذه الظاهرة، وهو الانقلاب الحراري، حيث تعمل طبقة من الهواء الدافئ كغطاء يحبس تحتها الهواء البارد والضباب، ومعهم كل الملوثات التي تنبعث من سطح الأرض.

وتحت هذا الغطاء غير المرئي، تتراكم عوادم السيارات وأبخرة المصانع ودخان المواقد وغبار المزارع، لتشكل خليطا ساما يعلق في الهواء الذي يتنفسه السكان. وتتسلل الجسيمات الدقيقة، المعروفة علميا باسم PM2.5، إلى الرئتين وحتى مجرى الدم، ما يسبب تهيجا شديدا في الجهاز التنفسي ويفاقم أمراضا مثل الربو، ويزيد من معدلات الذهاب إلى غرف الطوارئ في المستشفيات.

ولا يقتصر الخطر على الصحة فحسب، فالضباب الكثيف يحول الطرق إلى مسارات موت. ويحكي تاريخ وادي كاليفورنيا الأوسط قصصا مأساوية عن حوادث مرورية جماعية سببها انعدام الرؤية. ففي نوفمبر 2007، تسبب الضباب في حادث مروع اشتمل على 108 مركبة وأغلق الطريق السريع 99 لأكثر من 12 ساعة.

الولايات المتحدة تسحب مكملا جنسيا شائعا من الأسواق!
وفي يناير من هذا العام، أدى تكدس 40 سيارة إلى مقتل سائقين وإصابة تسعة آخرين. ويصف السكان المحليون القيادة تحت هذا الضباب بأنها "من أكثر التجارب رعبا على الأرض".

ورغم هذا المشهد القاتم، هناك بصيص أمل، حيث تظهر بيانات طويلة الأمد أن عدد أيام الضباب الكثيف قد انخفض بشكل ملحوظ عما كان عليه قبل ثلاثة أو أربعة عقود. ويربط الباحثون في جامعة كاليفورنيا في بيركلي هذا الانخفاض بفعالية قوانين الهواء النظيف الأكثر صرامة في الولاية، والتي قللت من الجسيمات العالقة التي يحتاجها الضباب للتكون.

أما بالنسبة للأزمة الحالية، فينتظر السكان بفارغ الصبر نظاما جويا قويا متوقعا منتصف ديسمبر، على أمل أن يختلط الغلاف الجوي ويزيل طبقة الانقلاب الحراري. ولكن حتى ذلك الحين، يظل سكان وادي كاليفورنيا الأوسط محاصرين تحت غطاء ضبابي لا يحجب الرؤية فحسب، بل يحبس معه كل ما يهدد صحتهم وأمنهم، في تذكير قاس بكيفية تحول ظاهرة طبيعية إلى خطر داهم بفعل تدخل الإنسان في بيئته.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير