النسخة الكاملة

مركز الإدمان يستقبل 1831 شخصًا للعلاج

الثلاثاء-2025-12-02 09:30 am
جفرا نيوز -
لم تكن البداية سيجارة عابرة… ولا كانت التجربة «فضولًا» يمكن تداركه، ففي كل قصة من قصص الشباب الذين عبروا بوابة مركز علاج الإدمان التابع لإدارة مكافحة المخدرات في عرجان، تبدأ الحكاية بخطوة صغيرة تنقلب إلى هاوية، وتُختتم بقرار شجاع يعيد الحياة إلى مسارها الطبيعي.

بين من جرّب الحشيش ظنًا أنه يهرب من واقعه، ومن انزلق من الماريجوانا إلى أخطر أنواع المخدرات وصولًا لنوبات الصرع، تبرز شهادات المتعافين كمرآة صادقة تكشف حجم الخطر، لكنها في الوقت ذاته تؤكد أن العودة ممكنة، وأن الأمل حيّ ما دام هناك مركز يفتح أبوابه دون شروط، ويقدم العلاج مجانًا بسرية تامة.

روى المتعافي د.م، البالغ من العمر 19 عامًا، أنه بدأ تعاطي الحشيش قبل ثلاث سنوات، قبل أن ينتقل إلى حبوب «الكبتاجون» و«اللاريكا»، ما تسبب له بمشكلات أثّرت على مستقبله وعلاقته بأسرته ومحيطه.

ويشير إلى أن اتخاذ قرار العلاج كان نقطة التحول التي أعادته إلى الطريق الصحيح، وقال: «كنت أفقد نفسي يوميًا»، بعد أن وجد في المركز بيئة داعمة وسرية كاملة وبرامج علاجية ساعدته على استعادة توازنه.

أما المتعافي ح.ز (22 عامًا) فيحكي أنه بدأ تعاطي الماريجوانا عام 2016، ثم انجرف تدريجيًا نحو «جالاَيكا» و«لاريكا»، ما تسبب له بنوبات صرع عند انقطاع الجرعة.

وبحسب روايته، فإن هذه المواد استنزفت حياته ودمرت علاقاته، قبل أن يجد في مركز علاج الإدمان ملاذًا مهنيًا وإنسانيًا منحه بداية جديدة.

تعكس هذه القصص ما يواجهه مئات الشباب الذين يعبرون باب المركز كل عام، لتكشف عن حجم المشكلة من جهة، وعن الدور المحوري الذي يؤديه المركز من جهة أخرى.

من هنا يبدأ دور مركز علاج الإدمان الذي تأسس عام 1993 بطاقة لا تتجاوز 18 سريرًا، قبل أن ينتقل عام 2009 إلى موقعها الحالي بطاقة 170 سريرًا، وفق ما أكده رئيس المركز المقدم يزن البرماوي لـ$، وأوضح أن إنشاء المركز جاء في وقت لم تكن فيه أي جهة متخصصة في علاج الإدمان، لتتولى مديرية الأمن العام هذه المهمة بوصفها مسؤولية إنسانية ووطنية.

وأشار إلى أن المركز جاء كخطوة استباقية لغياب أي جهة علاجية متخصصة آنذاك، ليصبح اليوم أحد أهم المهام الإنسانية التي تنهض بها المديرية، مقدّمًا العلاج مجانًا بالكامل بما يشمل الإقامة والبرامج الطبية والنفسية والسلوكية والاجتماعية.

وكشف البرماوي أن المركز استقبل منذ بداية العام 3150 حالة حتى تاريخه، من بينها 1831 حالة ضمن برنامج الرعاية اللاحقة، منهم مرضى متعثرين يراجعون المركز للمتابعة بعد إنهاء العلاج.

وأشار إلى أن الكادر العامل بالمركز يتبع مديرية الأمن العام ويعمل وفق قانون يحمي كل من يلجأ للعلاج من تلقاء نفسه أو برفقة أحد ذويه من أي مسؤولية قانونية، ويعفى من العقوبة، ضمن سرية، إذ يُمنح كل مريض اسمًا وهميًا ويُسمح بالزيارة فقط للأقارب من الدرجة الأولى، ضمن ثلاث ركائز ثابتة: الإعفاء القانوني، والعلاج المجاني، والسرية التامة.

وأوضح البرماوي أن استقبال المرضى يتم 24 ساعة يوميًا، ويتم بعد دخولهم إعداد خطة علاجية فردية بالتعاون مع أطباء وزارة الصحة، بهدف السيطرة على الأعراض الانسحابية ومنع المضاعفات مثل التشنجات والمشاكل القلبية والهلوسات، إذ تشمل مراحل العلاج، إزالة السمية وبرامج نفسية وسلوكية وتأهيل اجتماعي وأنشطة رياضية وثقافية ودينية ودعم أسري موازٍ للعملية العلاجية.

ولفت إلى أن التعافي لا يعتمد على العلاج الطبي فحسب، بل على توفير بدائل وأنشطة تساعد المرضى على استعادة التوازن، إذ يحتوي المركز على: صالة رياضية وجيم وملاعب كرة قدم وطائرة وصالة كاراتيه، وألعاب ترفيهية (بلياردو، تنس)، ومرسم ومشغل الفخار، ومسرحيات وبرامج فنية، وورش تدريب مهني مثل دراي كلين، وصالون الحلاقة، والخياطة، إذ تهدف هذه البرامج لتمكين المتعافي من اكتساب مهارات تساعده على الانخراط في سوق العمل.

وحذّر البرماوي من تجربة المخدرات مهما كانت بسيطة، قائلاً: «مجرد تجربة سيجارة حشيش واحدة قد تكون بداية الانجراف، فهي مفتاح لباقي المواد وقد تؤدي إلى الانهيار أو الموت أو السجن».

من جانبه، قال الطبيب المعالج إبراهيم عشا إن التشخيص يبدأ بالملاحظة السلوكية، إذ تتغير تصرفات الشخص بشكل يلفت الانتباه، بينما يثبت التشخيص بدقة عبر الفحص السريري والمخبري.

وأوضح أن المتعاطي والمدمن هما «وجهان لعملة واحدة»، إذ يبدأ المدمن غالبًا بمرحلة تعاطٍ متقطع قبل أن يصل إلى الاعتماد الكامل على المادة.

وبيّن عشا أن رحلة العلاج تبدأ ببناء الثقة مع المريض وتوفير السرية التامة، ثم التعامل مع الأعراض الانسحابية قبل الانتقال إلى العلاج بالبدائل والأنشطة المتنوعة داخل المركز.

وقال إن الأنشطة الرياضية والاجتماعية والحرف اليدوية تعد أفضل بدائل تساعد المريض على تجاوز المادة.

وأشار إلى أن المواد المخدرة تُقسم إلى محفزات ومثبطات، ولكل منها خطة علاجية خاصة من حيث الأعراض الانسحابية والأدوية، وتختلف مدة العلاج وفق فترة التعاطي، إذ يحتاج من تعاطى لفترة طويلة إلى وقت أطول ودعم أكبر.

وحذّر عشا من المواد التي تسبب تلفًا دماغيًا دائمًا قد يؤدي إلى الهلوسة والاضطرابات الذهانية، إضافة إلى أضرار الكحول على الكبد والقلب والعضلات والجلد.

وأكد أن العلاج الحقيقي يبدأ من الدعم الأسري والاجتماعي، وأن نجاح التعافي يتطلب تكاملاً بين الأسرة والمجتمع والقانون والدولة.

استطاع المركز أن يشكّل نقطة تحول حقيقية في حياة آلاف الأردنيين الذين عادوا إلى أسرهم ومجتمعهم أكثر قوة ووعياً. وبينما تستمر المخاطر المحيطة بالشباب وتتنوع أساليب جذبهم نحو الإدمان، يظل المركز مثالًا مضيئًا على الدور الإنساني والأمني الدؤوب الذي تقدمه مديرية الأمن العام لحماية أبناء الوطن وإعادة الأمل لمن ظنّوا أن الطريق قد أُغلق أمامهم.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير