النسخة الكاملة

عراك تحت القبة وامتحان الثقة

الأربعاء-2025-09-10 01:56 pm
جفرا نيوز -
محمد علي الزعبي

عندما عرضت الحكومة موازنة عام 2025 على مجلس النواب في نهاية عام 2024، كانت الأعين شاخصة إلى الأرقام، والأذهان متوجّهة لقراءة أثرها على المواطن والاقتصاد، وما ستتركه من تبعات على موازنة عام 2026 في ظل الأزمات والحروب والأجواء الضبابية التي تخيم على المنطقة والإقليم، في هذا السياق، يجب توجيه أسئلة حادة وواضحة إلى الحكومة .

فهل ستكون الموازنة العامة لعام 2026 قادرة على تجاوز التداعيات العالمية والإقليمية والأزمات الاقتصادية والتجارية، أم أنها ستظل رهينة للضغوط والظروف غير المتوقعة؟ وهل تستطيع الحكومة حساب كل العاتيات بدقة، وتحويل المخاطر إلى فرص حقيقية، أم أنها ما زالت تعتمد على السياسات التقليدية في الإنفاق والتخطيط؟ وهل ستظل الموازنة أداة للإنفاق الروتيني، أم ستكون بناءً فعّالًا لإتمام المشاريع التنموية المستدامة، مستهدفة منابع العمل والتخطيط، ورافعة لفرص النمو والوظائف؟ وهل هناك إرادة حقيقية لتجديد منظومة الإصلاحات وتحديثها بشكل متكامل، بحيث تُطبق بحزم أمام امتحان التحديات الاقتصادية والاجتماعية، أم أن التنفيذ سيظل محدودًا بالوعود والإعلانات؟

هذه الأسئلة ليست مجرد استفسارات نظرية، بل تشكّل امتحانًا حقيقيًا لقدرة الحكومة على التحرك ضمن أطر السياسة المالية والتخطيط الاستراتيجي، وتمثل أيضًا اختبارًا للنواب في ممارسة رقابة فعّالة وفرض الشفافية والمساءلة.

في قراءة أولية لموازنة 2025، نجد أن الإيرادات العامة بلغت نحو 10.233 مليار دينار، بزيادة 9.4% عن العام السابق، منها 9.498 مليار دينار إيرادات محلية، و734 مليون دينار منح خارجية، أما النفقات العامة فقد بلغت نحو 12.511 مليار دينار، منها 11.042 مليار دينار نفقات جارية و1.469 مليار دينار نفقات رأسمالية، بزيادة 16.5% عن العام السابق لتغطية المشاريع الكبرى وبناء وصيانة المستشفيات والمدارس ، وسجل العجز بعد المنح نحو 2.278 مليار دينار، أي 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما بلغ العجز الأولي نحو 812 مليون دينار، أي 2% من الناتج المحلي الإجمالي، مسجلاً تحسنًا نسبيًا عن العام السابق.

خلال مناقشات مجلس النواب، أبدى النواب قلقهم من ارتفاع العجز والدين العام، وطالبوا بتوجيه الإنفاق الرأسمالي نحو المشاريع التنموية الحقيقية، مؤكدين أن الأرقام وحدها لا تعكس الواقع، وأن كل دينار يجب أن يرتبط بأثر ملموس على النمو وفرص العمل، فقد اعتبر  بعض النواب الموازنة "تقليدية" وغير متسقة مع متطلبات التطوير، محذرًين من أن العجز المتوقع في السنوات الأربع القادمة قد يتجاوز 14 مليار دولار، فيما دع البعض الحكومة إلى الإسراع في توجيه الموارد نحو المشاريع التنموية وتوفير فرص عمل حقيقية، محذرين من الاعتماد على المنح الخارجية وحدها.

ومع التطلع إلى موازنة عام 2026، يبرز السؤال الأكبر ، هل الموازنة قادرة فعلاً على مواجهة التحديات المتشابكة الناتجة عن الأزمات العالمية والإقليمية والتداعيات الاقتصادية والتجارية؟ ومن المتوقع أن تشير الحكومة في خطابها إلى اعتماد سياسات مالية ونقدية جديدة، وتخطيط حديث لتمويل المشاريع الكبرى، لا سيما المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية، ومنها المدينة الجديدة التي تمثل مشروعًا تنمويًا محورياً، فهل ستتمكن هذه السياسات والخطط من تحويل المخاطر والتحديات إلى فرص حقيقية للنمو وفرص العمل؟ وهل ستكون أدوات التمويل والتخطيط كفيلة بضمان استدامة المشاريع التنموية، وربط كل دينار رأسمالي بأثر ملموس على الاقتصاد الوطني والمواطن؟

بهذه النظرة التحليلية الحادة، يصبح امتحان الموازنة ليس مجرد أرقام على الورق، بل معيارًا حقيقيًا لمدى كفاءة الحكومة وقدرتها على التخطيط الاستراتيجي، وتحويل التحديات إلى فرص حقيقية للمواطنين والأجيال القادمة، وفي الوقت ذاته اختبارًا لنضج التجربة الأردنية في التوازن بين السلطتين، ومن المرجح أن تجد الحكومة نفسها أمام صعوبة في نيل ثقة مجلس النواب، وسط عراك لغوي شديد متوقع أن يدور تحت قبة البرلمان، حيث تتشابك الكلمات كما تتشابك الحسابات، في معركةٍ فاصلة بين لغة الأرقام وحساب السياسة.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير