جفرا نيوز -
في عرض مسرحي لافت وفريد من نوعه، وضمن أجواء مهرجان جرش لهذا العام، شهد جمهور المسرح الأردني ليلة درامية استثنائية مع مسرحية *"ثلاجة الموتى"، التي جمعت بين الأداء المكثف والكتابة الفلسفية العميقة في شكل **ديودراما* (مسرحية من ممثلَين فقط)، ليخرج العمل كصرخة إنسانية ضد الفقر والتهميش والحرمان.
*الفنانة هاجر شاهين*، في دور عاملة التنظيف، قدّمت أداءً مذهلًا جمع بين البساطة والعنفوان، ناقلةً مأساة امرأة مسحوقة تحاول البقاء في عالم لا يرحم. شخصية أنهكتها البطالة، إذ انتظرت عشر سنوات دورها التنافسي في التوظيف، رغم حصولها على درجة الماستر في علم النفس، وفقدت في خضم ذلك حبها القديم.
أما *تيسير البريجي*، فجسّد شخصية الرجل جامع الخردوات، بروح متمردة ضائعة، يُورث بقاياه لشخص يُدعى عطية، في استسلام صامت لمصيره. الثنائي شكّل توليفة درامية نادرة، حملت أبعادًا رمزية واجتماعية وإنسانية، تُجسد معنى الانطفاء في مجتمعات لا تعترف بغير الناجحين.
نص المؤلف والمخرج المبدع د. علي الشوابكة جاء حادًا، صادقًا، ومشحونًا بالأسئلة الفلسفية. لم يجامل الواقع بل واجهه بشجاعة، في نص يُقيم داخل "ثلاجة موتى"؛ المكان الذي تحوّل إلى مرآة كاشفة لحياة من لا صوت لهم. هما شخصيتان خارج الزمن، بلا مستقبل أو انتماء، تتقاطع آمالهما لحظة، قبل أن يدركا أن "الخلاص" قد لا يكون سوى موتًا مشتركًا.
الإخراج المتقن لـلدكتور علي الشوابكة لم يجنح إلى الزخرفة أو التعقيد، بل استند إلى البساطة المدروسة، لينسج من ذلك عالمًا مسرحيًا باردًا يعكس هشاشة الكائن البشري. و بعض القضايا الاجتماعية التي تواجه المجتمع ككل.
و ظهر أيضًا الفنان محمد الشوابكة في مشهد ختامي مؤلم بدور *الطبيب*، الذي يدخل ثلاجة الموتى لينقل جثتي العاملة وبائع الخردوات، في لحظة رمزية قاتمة تلخص عبثية الوجود: لا أحد يهتمّ بك، حتى تموت.
ثلاجة الموتي ليست مجرّد عرض مسرحي، بل تجربة فكرية تُدين الصمت الاجتماعي، وتستنطق المتلقي بأسئلتها: من يُعنى بالمهمّشين؟ ومن يحفظ كرامة من لا يملكون شيئًا؟ إنها تضعنا جميعًا في مواجهة مع أنفسنا، ومع عالم يُجمّد الإنسانية قبل أن يُجمّد الأجساد.
في ختام العرض، لم تُصفّق الأيدي فقط… بل اهتزّت القلوب.
ثلاجة الموتى ضمن مهرجان جرش 2025
أكدت أن المسرح لا يزال قادرًا على أن يوجعنا، ويُذكّرنا بأن في الهامش حياة… وإن كانت باردة.