النسخة الكاملة

قراءة نقدية في قرار المحكمة الدستورية بشأن قانون نقابة المعلمين

السبت-2025-07-19 03:41 pm
جفرا نيوز -
الدكتور هاشم احمد بلص

أصدرت المحكمة الدستورية مؤخرًا قرارًا يقضي بعدم دستورية قانون نقابة المعلمين رقم 14 لسنة 2011، مستندةً إلى تفسيرها لأحكام المواد (16) و(128) من الدستور الأردني. وقد أثار هذا القرار جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والتربوية والنقابية، لما له من تداعيات مباشرة على الحق في التنظيم النقابي، وحرية المهنة، واستقرار المؤسسات المهنية القائمة. ويهدف هذا المقال إلى تقديم قراءة نقدية للقرار، من خلال تحليل أبعاده القانونية والدستورية، ومناقشة مدى انسجامه مع المبادئ المستقرة في الفقه الدستوري الأردني والمقارن.

جاء في المادة (16) من الدستور الأردني "للأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات... ضمن حدود القانون"، وقد فسرت المحكمة الدستورية هذا الحق تفسيرًا ضيقًا، عندما اعتبرت أن مهنة التعليم لا تدخل ضمن مفهوم "المهن التي تستوجب ترخيصًا مهنيًا"، كما هو الحال في الطب والهندسة والمحاماة، وبالتالي لا يجوز إنشاء نقابة مهنية خاصة بالمعلمين.

غير أن هذا التفسير يتناقض مع المفهوم الواسع للحق في التنظيم النقابي الذي كرسته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية Demir and Baykara v. Turkey (2008)، حيث اعتُبر أن "الحق في التنظيم النقابي هو أحد أشكال حرية تكوين الجمعيات، ولا ينبغي تقييده بتعريف ضيق للوظائف أو المهن".

قد تجاهلت الهيئة مبدأ الحقوق المكتسبة ووالاستقرار للمراكز القانونية، فقد مضى على تأسيس نقابة المعلمين أكثر من عقد من الزمن، وتمت المصادقة على قانونها من قبل مجلس الأمة ونشره في الجريدة الرسمية، كما مارست النقابة وظائفها كاملة ضمن الإطار الدستوري، وبذلك، فإن إلغاءها بعد هذه المدة الطويلة يشكل خرقًا واضحًا لمبدأ الأمان القانوني الذي يُعد من المبادئ الدستورية الضمنية (implicit constitutional principles)، حيث يجب أن تكون القواعد القانونية واضحة ومستقرة، ولا تُغيّر فجأة بأثر رجعي.

كما أن مبدأ الحقوق المكتسبة الذي قررته المحكمة الدستورية الأردنية نفسها في قرارات سابقة، ومنها القرار رقم (3) لسنة 2013، يوجب الحفاظ على الوضع القانوني للأفراد الذين رتبوا أوضاعهم استنادًا إلى قانون قائم وقت صدوره، ومخالفته تعد تهديد مباشر لحرية التنظيم والتمثيل، حيث يعتبر الحق في التنظيم النقابي هو أحد أركان الدولة الحديثة، ويُصنَّف ضمن الحقوق المدنية والسياسية الأساسية، وقد نصت عليه المادة (23) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (8) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي صادق عليه الأردن بموجب قانون التصديق رقم 29 لسنة 2006.

قرار الهيئة يُعدّ تقليصًا لهذه الحقوق، ويقود عمليًا إلى منع فئة كبيرة من المواطنين – المعلمين – من أن يكون لهم إطار قانوني موحد يعبّر عن مصالحهم ويدافع عنها، مما يعد من السياق السياسي تأثير على استقلال التفسير الدستوري، فمن الصعب فصل القرار عن السياق السياسي الذي شهد في السنوات الأخيرة تضييقًا متزايدًا على نقابة المعلمين، تجلّى بحل مجلسها، وتوقيف أعضائها، وإغلاق مقارّها، بقرارات إدارية وأمنية، وبهذا، فإن القرار القضائي الدستوري قد يُفهم – ولو ضمنًا – كاستكمال لمسار سياسي هدفه إنهاء وجود النقابة بشكل كامل.

استقلال التفسير الدستوري شرط أساسي لحماية الحقوق والحريات، وقد نصت عليه مبادئ البندقية (Venice Commission) التابعة لمجلس أوروبا، التي شددت على أن "أي سلطة تفسيرية دستورية يجب أن تكون بمنأى عن التأثيرات السياسية المباشرة أو غير المباشرة".

إن قرار الهيئة (المحكمة الدستورية) بشأن قانون نقابة المعلمين، رغم مشروعيته من حيث الشكل، يطرح إشكاليات عميقة على مستوى المضمون الدستوري والمبادئ العامة للقانون، وهو يشكل، بحسب هذا التحليل، خطوة إلى الوراء في مسار الحقوق النقابية في الأردن، ويهدد بانكماش الحيز المدني الذي تُمارس فيه الحريات العامة.

وعليه، فإن من الضروري أن يُعاد النظر في الإطار القانوني للنقابات، من خلال تعديل التشريعات ذات الصلة بما ينسجم مع الدستور الأردني والاتفاقيات الدولية المصادق عليها، وضمان عدم استخدام التفسير الدستوري كأداة لإنفاذ خيارات سياسية، حفاظًا على ما تبقى من الثقة العامة في مؤسسات الدول
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير