النسخة الكاملة

العواملة يكتب: الحياة الحزبية الأردنية

الثلاثاء-2025-07-15 01:23 pm
جفرا نيوز -
د معن متروك العواملة

قدّم الوزير الأسبق بسام حدادين في تصريحاته على إذاعه حياة أف ام  قراءة نقدية لواقع الحياة الحزبية في الأردن، وصف فيها المشهد الحزبي بأنه "ديكور سياسي”، واتهم غالبية الأحزاب بعدم امتلاك مقومات الحزب الحقيقي، متحدثًا عن غياب الممارسة الديمقراطية الداخلية، وانعدام الاستقلال المالي، وضعف الاشتباك مع الشارع.

رغم ما تحمله هذه التصريحات من بعض نقاط واقعية تستحق التوقف عندها، إلا أن ما يلفت الانتباه هو طغيان نبرة التعميم والتشاؤم المطلق، وكأن الساحة الحزبية تخلو من أي محاولة إصلاحية أو تطور تدريجي.

لا يخفى على أحد أن الحياة الحزبية في الأردن تمر بمرحلة انتقالية معقدة، وأن الإرث السياسي والتشريعي في هذا المجال لم يكن يومًا بيئة مثالية لنمو التعددية الحقيقية. لكنّ التقليل من كل الجهود القائمة، ومهاجمة التجربة الحزبية الوليدة بهذا الشكل القاطع، لا يخدم سوى التيار الرافض لفكرة العمل الحزبي من أساسها، بل ويساهم في ترسيخ الانطباع السلبي لدى الرأي العام.

وإذا كانت الأحزاب اليوم تعاني من قلة التمويل أو ضعف التنظيم، فإن السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: أين كان صوت النخبة السياسية، ومنهم الوزير حدادين، خلال العقود التي تولوا فيها المناصب والقرار؟ أين كانت المبادرات التي تعزز الاستقلال المالي للأحزاب؟ وأين كان الدفع باتجاه قوانين انتخاب وأحزاب تفرز تمثيلًا سياسيًا حقيقيًا في البرلمان؟

إن تصوير النواب الحزبيين في مجلس النواب كمجرد "ديكور سياسي”، دون الإشارة إلى أن قانون الانتخاب نفسه لا يُمكّن الكتل الحزبية من التشكّل الفعلي داخل المجلس، هو تجاهل لواقع تشريعي ما زال في طور التعديل والتطوير، لا يمكن تحميل نتائجه للنواب وحدهم، ولا للأحزاب الناشئة التي لم تكمل بعد تجربتها الأولى في ظل القانون الجديد.

ثم إن التقليل من أهمية البرامج الحزبية، واعتبارها مجرد شعارات عاطفية، فيه استخفاف واضح بالجهود الجادة التي تبذلها بعض الأحزاب، خاصة تلك التي تشكّلت على أسس فكرية وتنظيمية حديثة، وتسعى للانتقال من العمل النخبوي إلى ثقافة سياسية جماهيرية تقوم على الوعي والمشاركة والتأطير الحقيقي.

لقد أثبتت التجربة أن بناء الحياة الحزبية لا يكون بقرار إداري ولا بتعليمات فوقية، بل هو مسار تراكمي يحتاج إلى وقت وبيئة ناضجة ودعم مؤسسي من الدولة والمجتمع على حد سواء.

أما الاكتفاء بالنقد العلني وتوصيف المشهد بلغة الإحباط، دون تقديم مبادرات أو الانخراط الفعلي في مشاريع إصلاحية، فهو تنصل من المسؤولية، خصوصًا ممن شاركوا سابقًا في صناعة المشهد السياسي بصورته الحالية.

إن المطلوب اليوم هو نقد بنّاء يرافقه دعم للبدائل، وتمكين حقيقي للأحزاب، لا تشكيك دائم في جدواها. الحياة الحزبية الأردنية تتقدّم ببطء، لكنها تتقدّم، وتستحق من الجميع أن يُعطوها الفرصة، لا أن يُحكموا عليها بالفشل قبل أن تبدأ 


© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير