أمنح نفسي لحظة حداد على زمن كان فيه الليمون يُشترى بالكيلو، لا بالقطعة.
حتى زمن قريب، كان الليمون ضيفًا دائمًا في كل بيت.
نرشه على الفول، ونعصره على التبولة، ونغسله ونرميه في كاسات المي عشان «منظف طبيعي».
أما اليوم، فقد أصبح قطعة ثمينة يُعاملها البائع وكأنها حجر كريم،
«أكم ليمونة أوزنلك؟»
وأنا أرد بتلعثم:
«يعني... واحدة ونص لو سمحت، إذا ما في غلبة عليك.»
لم نعد نشتري الليمون للنكهة، بل للذكرى.
نضعه في صحن الفواكه مثل تحفة متحف، ننظر إليه ولا نلمسه.
نقطّره في فمنا كنقطة وعي «اقتصادي»، لا كنكهة.
وما يثير الأعصاب أن بعض الأشخاص بدأوا يتعاملون مع الليمون بإعتباره رمزًا للرفاه،
«شو عامل اليوم؟»
«ولا إشي... بس شربنا ليمون مع النعنع!»
«آه والله؟ شغّلت التكييف كمان؟ ولا لسا؟»
في السوق، رأيت سيدة تمسك ليمونة وتحدّق فيها طويلاً.
حسبتُها ستشتريها، لكنها فقط أرادت «تشمّ ريحة الأيام الحلوة».
أما البائع، فيعرض ليمونة على الزبون مثل صاحب معرض سيارات:
«هاي فخر الزراعة الوطنية، حامضها طبيعي فيها فيتامين C خام، بتكفي بيت كامل أسبوع!»
ومع كل هذا، الحكومة تطمئننا:
«الوضع تحت السيطرة.»
لكنها لم توضح:
تحت سيطرة من؟
الطقس؟
السوق السوداء؟
أم الليمون نفسه، الذي قرر أن ينتقم من أيام الإهمال، ويعلن استقلاله الاقتصادي؟
الأزمة تجاوزت المطبخ ووصلت للثقافة الشعبية:
لم نعد نقول «الحياة حامضة»، بل «الحياة ليمونة».
ولا «منافس محمضة» لانها اشارة إلى الغلاء .. الفاحش.
صديق كتب منشورًا على فيسبوك:
«اشتريت كيلو ليمون، وأهديته لخطيبتي بدل بوكيه ورد.»
وانهالت عليه التعليقات:
«واو .. شو محظوظة!»
«الله يرزقنا مثل ما رزقك.»
«خليها تعصر لك قلبها مش بس الليمون.»
الحياة أصبحت معقدة، نعم، لكن أكثر ما يؤلمني هو أنني لم أعد أستطيع أن أضع شريحة ليمون على كأس الماء بدون أن أشعر أنني أرتكب بذخًا علنيًا.وأمارس تبذيرًا فاحشًا.
وفي لحظة تأمل وجودي، جلست أمام الليمونة في المطبخ، وقلت لها:
«يا ليمونة زمان كنتِ معنا نحن الفقراء، بتتذكري لما كنت تروقي دمي؟ وتخففي لوعتي ولعيتي؟؟
لكنها لم ترد،
فهي ليمونة، انحازت ذات مزاد علني..لمزاج وموائد الأغنياء.