«المجّة» كما يعرفها المدخنون هي تلك «السّحبة» التي يؤذي بها المدخن نفسه ومن حوله -شهيقا واستنشاقا- مما تكون علامته توهّج نار السيجارة أو فحمات الأرجيلة! تلك التقليعة التي صارت موضة، شاعت بين الإناث والمراهقين في السنوات القليلة الماضية. ألا وبئس ما ظنّه الناس بديلا أقل ضرارا عن السجائر التقليدية.
في فرنسا تشديد في مكافحة آفة التدخين لدرجة التوسع والتشدد في حظره حتى خارج الأماكن المغلقة، فيما يعرف بالفضاء العام أو الأماكن العامة المفتوحة للناس، كالمتنزهات العامة والأسواق الشعبية وأماكن الانتظار في وسائط النقل العام والخاص.
يعني الأمر فيما يعنيه عمليا، سقوط مقولة «أشارع أبيك هذا؟» التي يسارع البعض إلى التنمّر على المحتجين على التوغل على الفضاء العام، سواء أكان شارعا أم رصيفا أم الحق الطبيعي والوجودي في الاستمتاع بهواء غير ملوث بمادة فيها أربعمئة من مسببات السرطان وأمراض قاتلة وخطرة أخرى.
الكلفة الحقيقية الدقيقة لذلك النَّفَس الأول قبل أن تصل الأمور إلى ضرب الأنفاس، نعدل العقوبة أو الغرامة بالدينار الأردني نحو مئة واثني عشر دينارا، ما دمنا في هدنة «حرب الاثني عشر يوما»! الحرب على الرئتين والقلب والشرايين أكثر فتكا من الصواريخ و»أم القنابل» المعروفة اختصار ب «مواب» يقرؤها البعض مؤاب، فيما تلفظ «ماب»!.
مئة وخمسة وثلاثين «يورو» عقوبة ذكية رادعة، كفيلة بجعل المدخّن يعد للعشرة قبل اقتراف هذه الجريمة بحق نفسه، وبحق من يحب، وبحق الشعارات الكبرى السّجعيّة التي يهتف بها رواد المنصّات و»البكمات» والمسيّرات!.
مجرد فحص بسيط عند طبيب عام، أو العَدْو خلف ميكروباص لم ينتبه سائقه لإشارة الرغبة بركوب الحافلة، ستذكّر شرائح عريضة من مجتمعنا، بأن التدخين كارثة خاصة عامة، لا بد من التعامل معها على نمط «غرفة عمليات» لا ورش عمل أو حلقة بحثية في زاوية علمية أو خلوة نخبوية!.
من واقع تجربة مدخن شره تعافى من براثن التدخين قبل خمسة عشر عاما، أشهد بأنه لا صحة على الإطلاق الزعم بأن «دخِّنْ عليها تنجلي»، بل «تنطلي» على الجميع كذبة ووهم وشر اسمه الحقيقي هو الإدمان، والوقاية منه يبدأ من السيجارة وقد يؤدي لا قدّر الله إلى ما هو أخطر، إلى ذلك العالم السفلي، بمعاقرة الكحول وتعاطي السموم المسماة المخدرات.
غدا يوم آخر، وحديث بعون الله عن «سيف ذي حدين» في معضلة الانعتاق من التدخين والتعافي من الإدمان.