كنت أقرأ في مقدمة ابن خلدون تلك التي ما زالت رغم القرون تفضح الغفلة وتكشف وجوه التراخي في الدول والمجتمعات فاستوقفني سطر واحد ظل يتردد في ذهني لأيام
" إذا رأيت الدولة تُكثر من التعليمات فاعلم أن الفساد قد بدأ يتسلل من النوافذ ”
لم يكن وقع العبارة وحده هو ما هزني بل صداها في واقعنا حيث تحولت التعليمات إلى جدران تفصل بين الفكرة والفعل وبين الحلم والحقيقة .
أنا كشاب نشأت في بيت يرى الدولة أمانة لا سلطة ويؤمن أن الانتماء ليس شعاراً بل مسؤولية منذ وعيت وأنا أبحث عن المعنى معنى الوطن ومعنى الفرد فيه ومعنى المؤسسة التي تخدم لا التي تعيق وكلما تعمقت شعرت أن الأصوات الشابة تُخنق تحت أكوام من الأوراق .
الجميع يتحدث عن الترهل الإداري لكن قل من يسأل كيف نعيد الحيوية للمؤسسات؟
ومن بين الأسئلة التي أثارت الضجيج بداخلي
كيف نصنع دولة تؤمن بشبابها لا تخافهم؟
كيف تتحول المؤسسات من هياكل جامدة إلى معامل لإنتاج الفكر ؟
وكم يلزمنا من الصبر والشجاعة حتى نحول هذه الأسئلة إلى أجوبة؟
نحن بحاجة إلى قادة يقررون من أجل الوطن لا من أجل الصورة أو الشعبية المؤقتة.
وأنا أتأمل هذا المعنى وقعت عيني على تعليمات المراكز الشبابية الصادرة عن وزارة الشباب نصوص منمقة وعبارات رنانة لكن الروح غائبة والفعل خافت والنتيجة شباب بلا أفق.
الوزارة اليوم تُشرف حسب ما قرأت على أكثر من مئتي مركز شبابي في مختلف المحافظات
لكن السؤال الجوهري هو
كم مركزاً منها أحدث فرقاً ؟
كم مركزاً حول شاباً من مُستهلك إلى صناع قرار ؟
كم مركزاً منها أطلق مبادرة وطنية حقيقية لا صورة لأرشيف الوزارة ؟
الجواب تعرفه الوزارة لكنها تفضل الصمت
إن كثافة التعليمات ليست دليلاً على التنظيم بل أحياناً غطاءٌ لغياب القرار .
والمراكز الشبابية لم تُخلق لتُدار بالبيروقراطية بل لتكون مختبرات وطنية تُنتج وعياً وفكراً ومبادرات
لكن ما نراه اليوم برامج تُكرر وورشات تُقام فقط لتملأ التقارير
لسنا بحاجة إلى أوراق تُعلق على الجدران بل إلى إرادة تُنزِل التعليمات من السقف إلى الأرض.
لسنا بحاجة إلى تكرار النشاطات بل إلى إعادة تعريف دور المراكز كمنصات تُشرك الشباب في صياغة القرار لا أن تُدربهم على الاستماع فقط
نحن بحاجة إلى استعادة الثقة بين الدولة وشبابها قبل أن يتحول الإحباط إلى فجوة لا تُردم
من هنا أقول :
يجب أن تُدار مراكز الشباب بعقلية تتطلع التغيير و تسعى إلى التطوير لا بعقلية تكرر الموجود
بعقلية ترى في الشباب شركاء
وإلا فما الفرق بينها وبين أي قاعة مناسبات ؟
إذا لم تُراجع الوزارة علاقتها بمراكزها فقد تستيقظ يوماً على شبكة من المراكز الأكثر عدداً لكنها الأضعف أثراً .
وأخيراً أنا لا أكتب لأُسجل حضوراً في صحيفة أو موقع بل لأطرق باب الغد
كل كلمة أكتبها بتمعن أضعها كحجر اساس
أبحث عن المعنى لا لمجاملة القارئ بل لإحداث فرق
لأن من يحلم بوطن مختلف عليه أن يكتب و يطرح بشكل مختلف