النسخة الكاملة

«ماغا» كتراز «ميغا» مكافحة..

الأربعاء-2025-05-07 09:54 am
جفرا نيوز -
بشار جرار

يعدّ ملف العدالة الجنائية من أبرز ملفات الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة منذ الستينيات، لا بل ما قبل حركة داعية الحقوق المدنية، القس مارتن لوثر كِنغ «إم إل كيه» الذي ستُرفع بأمر تنفيذي رئاسي السرية قريبا عن اغتياله عام 1968.

لارتباط ملف العدالة الجنائية بما هو أهم من مجرد كسب لأصوات الناخبين، ثمة تباين بين رؤى الجمهوريين والديموقراطيين لهذا الملف ومدى تأثيره على أمريكا أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، من حيث خلفية وظروف الأطراف ذات الصلة بالجريمة وليس الجاني والمجني عليه فقط، والتداعيات الاجتماعية الاقتصادية للجرائم على الفرد والمجتمع والأمة الأمريكية وصورة أمريكا في العالم، بما يحقق الهدف الأول لأي أطروحة خاصة بالعدالة الجنائية والتي يعمل خبراء على إعدادها دون إنكار القوة السياسية لمن كلّف وموّل، ولمن سينفذ خلاصاتها وهي هدفان رئيسيان: إحلال الأمن والنظام أولا، ومن ثم تطبيق القانون على الجميع دون تمييز.

لكن منذ سيطرة اليسار المتطرف على الحزب الديموقراطي وشططه وتغوله، ذهب الهوس إلى حد الإخلال بمعايير نزاهة القضاء باسم عدالته أو تسامحه. وقد كان لذلك أثار مدمرة. ثمة لائحة مطولة من المخالفات والجنح والجرائم التي تثير الصدمة والاستهجان إلى حد تقشعرّ لها الأبدان لدى الدارس في حجم التباين، لا بل والتناقض فيما بينها وفقا لهوية الولاية وحتى المقاطعات في الولاية عينها بين جموري وديموقراطي، محافظ وليبرالي أو تقدمي، طبعا ليس كما في المفاهيم الكلاسيكية المتداولة إبان الحرب الباردة!.

أسفر ذلك التباين تناقضا صارخا في الوضع الأمني الذي بدوره أدى إلى آثار اقتصادية اجتماعية منها الهجرة بين الولايات باتجاه الولايات الأكثر تشددا وحزما في إنفاذ القانون، حتى صار ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية، ومكافحة الجريمة، ومكافحة المخدرات، كلها مترابطة على نحو تم توظيفه في كثير من الانتخابات وآخرها كانت الأكثر دلالة، حيث تصدر هذا الملف حتى الاقتصاد، وقضايا أخرى صارت ضربا من السفسطة والرفاه كالاحتباس الحراري والصوابية السياسية وثقافة الصحوة الاجتماعية  «ووك كَلْتْشَر» بالنسبة للمقاطعات والولايات التي عانت مما سبق على نحو لا يطاق. ليس سرا وقد كان متوقعا، أن كثيرا من الديموقراطيين والمستقلين والمتأرجحين صوتوا لصالح ترمب إيمانا منهم بجديته في التصدي لتلك المكافحات الثلاث أو العظمى.

هي أشبه ب «ماغا» مكافحة التي تحاكي تعبير «ميغا» كناية عن الأشياء الكبرى، فيقال مثلا أن صفقة ما ستكون أم الصفقات أو «ميغا دييل». وبأسلوبه كمفاوض ومقاول قبل أن يدخل عالم الشهرة فالسياسة، قدّم ترمب وليس حزبه -الحزب الجمهوري- قدّم هو بنفسه والقاعدة الشعبية لحركة «ماغا» سيما من رجال إنفاذ القانون، قدّم مقاربة غير مسبوقة، وكالعادة خارج الخزانة لا خارج الصندوق!.

يبدو أن تجربة إدارة سلفه جورج بوش الابن في خصخصة وتلزيم أو تفويض «آوت سورسينغ» التعامل مع بعض المهام الاستخبارية والأمنية والعسكرية خارج الأراضي و»المحاسبة» الأمريكية، يبدو أنها قد ألهمت ترمب. بدلا من غوانتنامو الذي فشل الرئيسان الديموقراطيان باراك حسين أوباما وجو بايدن في إغلاقه رغم الوعود الانتخابية في ثلاث حملات، كلّف ترمب وزير الدفاع بيت هِغْزِث بتوسعته لاستضافة نزلاء من المجرمين، من فئة المهاجرين غير الشرعيين، لحين ترحيلهم إلى بلادهم الأصلية. هذا الأسبوع أضاف ترمب سجنا في جزيرة أخرى هذه المرة ليس في كوبا بل في ولاية كاليفورنيا، معلنا عبر تغريدة تكليفه مكتب التحقيقات الفدرالي «إف بي آي» ووزارة الأمن الداخلي، إعادة فتح السجن الأكثر شهرة في العالم سجن ألكتراز في جزيرة بالمحيط الهادئ قبالة سواحل الولاية الديموقراطية كاليفورنيا، بعد ستة عقود على إغلاقه وتحويله إلى مزار فمتحف، بعد اكتسابه شهرة عالمية م ن خلال فيلم حمل اسم ألكتراز السجن الحصين لعتاة المجرمين الذي لم يشهد حالة فرار ناجحة قط!
الأهم من هذين السجنين، غوانتنامو المعروف اختصارا ب «غيتمو» وألكتراز الذي صار يعرف في الحسابات الساخرة على منصات التواصل الاجتماعي ب «ماغا تراز»، الأهم هو إفصاح ترمب بأن دولا أخرى ليست فنزويلا وحدها وافقت على استقبال المجرمين غير الشرعيين من رعاياها وحتى من رعايا دول أخرى، مع احتمال إضافة حتى المجرمين من حملة الجنسية الأمريكية إليهم رغم العقبات القانونية وربما الدستورية التي تحول دون ذلك. ترمب برر الأمر بالإشارة إلى نماذج من الجرائم المروعة والمتكررة التي اقترفتها تلك النوعية من المساجين الذي أبدى حرصه على محاسبتهم ليس وحدهم، بل وبعض منتسبي «سلطتي» القضاء والصحافة التي تحاول الدفاع عنهم استنادا لأمور تعجيزية من الناحية العملية وإن بدت مسوغة قانونيا ومحقة ديموقراطيا وحتى إنسانيا. كالدعوة إلى توفير محاكمات مليونية قد تستغرق العديد من الولايات الرئاسية بمعنى إمكانية تعطيلها بحسب ساكن البيت الأبيض أو موازين القوى في مجلس الكونغرس أو حتى عضوية المحكمة العليا ذات الأغلبية الجمهورية بواقع ستة مقابل ثلاثة.

لن أعرض لأي من تلك الأمثلة حرصا على ما يقينا الكرب والألم والفزع والغضب والاشمئزاز من فظاعة تلك الجرائم التي بلغت مستويات لا يمكن تخيلها إلا في أفلام الرعب والجريمة. ويتحمل القائمون على إنتاجها وترويجها حتى في ألعاب الفيديو مسؤولية كبرى في الكارثة التي حلت بالعالم لأسباب عدة أهمها البعد عن الإيمان وقيم الأسرة والمجتمع المحافظ، كما أرادها الخالق سبحانه. فلا أمان في غياب الإيمان. وما القوانين الرادعة والإجراءات الوقائية إلا سببا يبقى عاجزا ما لم يكن الواعز داخليا وحقيقيا على صعيد الفرد والمجتمع.

من الآخر، أي جهد لإحلال الأمن والنظام، جهد يستحق التقدير والدعم، لكني توقفت عند الشجاعة الأخلاقية والسياسية التي تحلى بها رئيس السلفادور مثلا كيف استطاع مواجهة الرأي العام وليس فقط المعارضة عندما اتخذ قرارا بدا انتحاريا في مواجهة الجريمة في بلاده أولا، ومن ثم الاستعداد للشراكة مع أي دولة في العالم لمواجهة الجريمة في المطلق، وجرائم ذوي الرعية السلفادورية خصوصا. النتائج الأولية أتت انتعاشا اقتصاديا واستردادا لوجه البلاد الحضاري، فلا اقتصاد بلا أمن، ولا أي نشاط إنساني آخر. الأمن أولا ودائما..

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير