لعل أخطر وأهم ما اطلعت عليه من ردود سياسية تجاه المتهمين في قضية صناعة الطائرات المسيرة وصناعة الصواريخ هو تصريح محامي المتهمين يوم أمس المحامي عبد القادر الخطيب الذي قال بشكل مباشر ما لم يقل من قبل جماعة الإخوان المسلمين أو من حزب جبهة العمل الإسلامي. قال الخطيب في تصريح مطول له إلى قناة اليرموك (أنا كمحامٍ للمتهمين وموكل عنهم، سمعت اعترافاتهم التي أكدوا فيها أنّهم لا يهدفون للإضرار بأمن البلد ونعتبره خطاً أحمر ونرفض المساس به، وكل ما قمنا به موجهٌ ضد الاحتلال الصهيوني، وإدخالها للمقاومة في الضفة الغربية). انتهى الاقتباس. ماذا يمكن أن نفهم من ذلك الكلام؟ هناك نقطة في كلامه تتفق مع رواية الحكومة وهنالك نقطة في كلامه تختلف مع رواية الحكومة. النقطة الأولى التي تتفق مع الرواية الحكومية أن كلام الخطيب يمثل ردا على بعض المشككين بصحة الرواية الحكومية من حيث أن المتهمين يقومون بمحاولة تصنيع صواريخ وطائرات مسيرة حيث أكد ذلك باعتباره موكل منهم. أما النقطة الثانية في كلامه التي تختلف مع الرواية الحكومية فهي قوله استنادا إلى أقوالهم أن هدفهم ليس الإخلال بأمن الأردن وإنما هدفهم دعم المقاومة في الضفة الغربية.
2/4
من الأهمية التوقف على الهدف السياسي من هذا الكلام الهام الذي قاله محامي المتهمين. فهو يهدف إلى تخفيض حجم ردة الفعل الشعبية السلبية تجاه هؤلاء المتهمين ومن ثم تخفيف ردة الفعل ذاتها تجاه الجماعة والحزب ومن بعد ذلك اكتساب الرأي العام لصالحهم من جديد . فعندما يكون الهدف مما قام به المتهمون هو دعم المقاومة في الضفة الغربية، فإن ردة فعل الشارع العام ستختلف وتتحول من سلبية إلى إيجابية بحدود معينة ولدى فئات وشرائح اجتماعية وسياسية معينة. السؤال إذا صدقنا هذه الرواية التي يقول بها الخطيب فما هي تبعات ذلك؟ هي تعني أن الأمور كانت تسير نحو إشعال الضفة الغربية. بكل تأكيد أن ذلك لو تم وفي حال تكرر سيناريو الإبادة في غزة ونقله إلى الضفة الغربية نظرا لاختلاف موازين القوى بين المقاومة في الضفة وما وبين إسرائيل. فإن ذلك يعني حدوث تهجير سكاني من الضفة الغربية إلى الأردن، ووقتها سيصبح الأردن وطنًا بديلًا للفلسطينيين. فعلا إنها مأساة يصعب تخيل حدوثها.
3/4
منذ طوفان الأقصى وما تبعه من إبادة لأهالي غزة من قبل إسرائيل فقد كان الطرح الرسمي ومعه عموم الرأي العام هو التركيز على وقف إطلاق النار في غزة. مع الحيلولة دون تمددها إلى الضفة الغربية. مع إبقاء الأردن خارج دائرة المواجهة العسكرية مع إسرائيل. خلال كل تلك الفترة وفي الاتجاه المعاكس كانت هتافات الإسلاميين في المسيرات تذهب نحو الدعوة إلى استراتيجية أخرى وهي الاشتباك مع إسرائيل عسكريا. أو العمل على استدراج الاردن لذلك فعليا ؟ .في مواجهة تلك الدعوات أو المحاولات الفعلية كان القرار الرسمي يذهب نحو المزيد من حماية الحدود لمنع حدوث أي تسلل أو تهريب أسلحة عبر الحدود مع الضفة الغربية للحيلولة دون استهدافه عسكريا من إسرائيل كردة فعل على التسلل عبر الحدود أو تهريب الأسلحة عبرها . ذاك أنه وفي الحسابات الأردنية حسب فهمي لها. فإن الأردن يدخل في اشتباك عسكري مع إسرائيل في مواجهة أي محاولة توسع جغرافي منه في الأراضي الأردنية. كما أن الأردن لن يكون خارج القرار العربي الجماعي فيما إذا قرر العرب جمعيا العودة إلى خيار المواجهة العسكرية مع إسرائيل من جديد. بغير هذا وذاك. يبقى الحفاظ على أمن الحدود مع الاستمرار في دعم الشعب العربي الفلسطيني سياسيا واغاثيا. يعزز ذلك التوجه الرسمي الأردني حالة التضامن الكبيرة التي حظي بها الأردن خلال اليومين الماضيين من العديد من دول العالم وخاصة من الدول العربية التي تحظر جماعة الإخوان المسلمين فيما يخص إعلان الأردن عن إفشال محاولة عدة مجموعات كانت تسعى إلى تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة لغايات سياسية.
4/4
ختاما، وحيث أن هنالك مسافة واسعة جدا تجاه إدارة الصراع مع إسرائيل ما بين رؤية الدولة وعموم الرأي العام من جهة وما بين رؤية الحركة الإسلامية بكافة تشكيلاتها التنظيمية من جهة أخرى. وحيث أنه يصعب تغيير التوجه الرسمي لأسباب موضوعية، كما أنه يصعب أكثر تغيير قناعة الحركة الإسلامية لقناعات سياسية راسخة، من هنا فإن احتمالات تكرار ما تم في المستقبل هو احتمال قائم حتى وإن كان بنسبة ضعيفة. إضافة إلى تكرار ذات السيناريو ما بين الدولة ومعها الرأي العام من جهة وما بين الجماعة والحزب من جهة أخرى. من حيث سعى الدولة للحفاظ على أمنها ومن حيث قول الجماعة والحزب أن ما يتم هو حالات فردية ولا يحق لأحد محاولة التشكيك بنا ؟.