النسخة الكاملة

معمّرة أردنية تجاوزت 100 عام : كان للحياة طعم

الأحد-2025-03-09 09:52 am
جفرا نيوز -
تعد من المعمرين والمعمرات الذين يحملون"تقدير سن» قبل ولادة السجل المدني، ورغم تجاوزها ١٠٠ عام إلا أنها احتفظت بذاكرة حيّة، ما جعلها تقصص الحكايات والقضايا والأحداث على أصولها وحقائقها وبأسلوب مشوّق.

ترى الحياة التي عاشتها مع تلك الأجيال وإلى ما قبل الحداثة والتطور الذي شهدته المملكة، حياة محبة وتآلف وتعاون و» راحة بال» رغم صعوبتها وقسوتها على من عاشها من الصغار والكبار، على حد سواء، وأن تلك المعاناة تجرعها الرجل والمرأة، وربما الأخيرة أكثر بحكم المسؤوليات التي تحملها.

"تمكين المرأة» مصطلح ليس له معنى عند جيلها أو مفهوم تعرفه ومن عاشت معها في تلك الحقبة والى سنوات لاحقة من العنصر النسائي، فالحقوق والواجبات يتقاسمها رجال ونساء ذاك الزمان، وقد تكون المرأة أقل نصيباً في ما يتعلق بـ «راحة الجسد»، إلا أن مثل هذا «التمكين» قد دفعها وهي تجتاز قرناً من الزمان من عمرها، لأن تدلي بصوتها في الانتخابات النيابية للمجلس العشرين الحالي.

ضيفة اليوم، وفي «تقدير السن المسجل»، هي من مواليد ١٩١٣ وترى هذا ليس دقيقاً، وربما تكون أكبر، إذ تقدّر، بـ5 سنوات على الأقل.

المعمرة الحاجة نهية الطويسي «أم محمد» تروي ، بعض ما واجهته في رحلتها الحياتية، دون التوقف عند كثير ما علق بذاكرتها.

النشأة وتربية الأسرة؟

نشأت في محيط وبيئة مختلطة تجمع حياة الفلاحين وحياة البداوة، وقد تزوجت في عمر ١٣ سنة، فأنا الأخت الكبرى لـ3 شقيقات و3 أشقاء.. عشت في حياة بسيطة، قليلة الموارد، يتشابه فيها الناس في الزمان والمكان، من حيث الإمكانات، فالوضع الاجتماعي تسوده الأُلفة والمحبة والبركة والتعاون والبساطة كما لو أننا عائلة واحدة، حتى أن صلة القربى والتعايش مع الآخرين كانت قوية ومتماسكة، إذ لا يشعر أحد أنه في غربة، والكل يعرف الآخر.

الحياة المعيشية قديماً متشابهه لجميع الناس، فالأوضاع الاجتماعية وكذلك الاقتصادية لهم ليس فيها فروقات، والأعمال التي يقومون بها هي نفسها، في الزراعة وتربية المواشي، والبيوت التي نسكنها إما بيوتاً من الشَعَر أو الطين والحجر.. تحملت كأي إمرأة تقف إلى جانب زوجها، مسؤولية توفير حياة كريمة وتربية سليمة للأبناء والبنات، وذلك في مشاركة زوجي في الأعمال التي كان يزاولها الناس وخاصة في فلاحة الارض أو تربية المواشي وما يلزم من الحصول منتجاتهما من حبوب ومواد غذائية ومشتقات الحليب، إضافة إلى خدمات البيت في احضار المياه ?ن الآبار والعيون، لغاية الشرب والطهي.

الحياة اليومية، كان أجمل ما فيها أن الناس تجمعهم المحبة الصادقة، والاحترام يشعر به الجيران في أثناء الزيارات والمناسبات التي تجمعهم.

نتناول ونتبادل الطعام على بساطته وقلته، فنشعر بلذته وبركته، لأننا ننظر اليها ونحسبها بأنها نعمة من الله، وللمودة التي تجمعنا كنت لا أشرب الشاي إلا بمشاركة الجيران.

أما المساعدة في الأعمال وتجهيز الأكلات التي نعدها بأيدينا، فكانت جميعها تأتي فزعة منا لبعضنا.

مشاركاتك الانتخابية؟

في بدايات حياتنا لم نكن نحن النساء نشارك في الانتخابات، سواء البلدية أو النيابية، ومع مرور الأعوام، كان للنساء مشاركات في انتخابات البلديات وقد شجعني زوجي على التصويت، ولا اذكر أنه وجهني أو أجبرني على التصويت لأي شخص والوقوف ضد مرشح آخر، ومع ذلك كنت أُقدّر هذه الحرية التي منحني إياها، فأقوم بالتصويت للمرشح الذي هو يرشحه، وفي الانتخابات النيابية، حرصت على التصويت بكل دورة، محبة بالمرشح الذي يعز عليّ سواء لدرجة القربى أو لسمعته الطيبة وأمانته.

ورغم تقدمي بالسن والذي تجاوز ١٠٠ عام إلا إنني حرصت على التصويت، وأعتقد أنني كنت من القلائل الذين شاركوا وهم في هذه السن.

كيف ترين الماضي والحاضر؟

«حياتنا زمان» كانت صعبة جداً، كثيرة تعب وفيها شقاء جسدي، لأن المرأة شريكة لزوجها ولأبنائها في العمل، في فلاحة الارض، ووقت الحصاد ودراسة البيدر وكذلك في تربية المواشي وغزل ونسج بيوت الشعر والبُسط وإحضار الماء والحطب من أماكن بعيدة وعملية إعداد الطعام للأبناء والضيوف.

العادات والتقاليد التي عشناها في الماضي،منها ما تغيّر في الوقت الحالي، والأدوات المستخدمة في المنازل في هذا الزمان ومنذ سنوات ماضية قريبة، في متناول يد ربات البيوت، ما ساعدتهن على حياتهن اليومية والمعيشية، حيث توجد الغسالة والجلاية والغاز والثلاجة وأجهزة الترفيه، بالإضافة إلى وجود الخادمات، ومع كل هذه الأشياء الحديثة، إلا أن جيلنا كان يشعر بـ» راحة البال» ولا همّ ولا نعرف تفكيراً يشغلنا عن بساطتنا وسعادتنا، حتى الأمراض كانت قليلة، إذ كنا نتداوى بالأعشاب، ونسلّم أمورنا لله الذي عافانا وبلغنا هذا العمر الطوي?.

ما يسعدك؟

أكثر ما كان يسعدني، زيارة مقام النبي هارون، وكنا نقوم بها لمرة واحدة خلال السنة، حيث نشعر بمباركتها للتقرب من الله سبحانه وتعالى، وعادة ما كانت النساء يقمن بتجهز الثوب وتطريزه للقيام بالزيارة إلى المقام المبارك، ويسمى الثوب » ثوب ابو عبوب» وهو مصنوع من » قماش الحَبَرْ» وبطول عدة أمتار، مطرّز بالحرير، وكنت أقوم بخياطة وتطريز ثوبي، بنفسي.

ويشهد مقام هارون الذي يقع في منطقة جبلية وعرة، ونستخدم للوصول اليه، الخيول والحمير، سباقات يجريها الرجال على خيولهم، تعبيراً عن بهجتهم بهذه الزيارة المباركة وفي رمزية عن فروسيتهم بركوب الخيل، التي حث عليها الإسلام.

طقوس رمضان؟

كنا ننتظر رمضان، قبل حلوله ونستقبله ببهجة وبشعور الفطرة التي نشأنا عليها.

نتبادل صحون المائدة، وعندما نجتمع في مكان أو منزل، من منزل الجيران، تكون «السفرة» متنوعة الأصناف، وفي المساء نقضي في أحاديث الماضي ومنها ما تكون من واقعنا الذي نعيشه في أيامنا، ورغم المتاعب التي واجهناها إلا أننا كنا نشعر بالسعادة، و إذا ما اقتربت أيام عيد الفطر، بدأنا نجهز احتاجاتنا للعيد بشراء الملابس واستعدادنا لاستقبال وزيارة الجيران والأقرباء، وعادة ما تكون العيديات المتبادلة عبارة عن علبة أو باكيت من الحلويات، لعدم توفر «العملة».
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير