النسخة الكاملة

باب الريح ونوافذ النار

الإثنين-2025-01-13 10:51 am
جفرا نيوز -
بشار جرار

مع كل سوء يصيب «الآخر»، يتكرر السقوط في الهاوية. هاوية روحية أخلاقية قبل أن تكون سياسية دعائية. حديثي لا يقتصر على الحريق الحالي، فلولاية كاليفورنيا الأمريكية ومدينتها العالمية لوس انجلوس سجل طويل من الكوارث الطبيعية، من الحرائق إلى الزلازل، مرورا بالانزلاقات الطينية والانهيارات الترابية.

مدى ما تقدمه الولاية والمدينة للعالم -لوس انجلوس حيث هوليوود- ومدن أخرى فيها مثل سان فرانسيسكو حيث «سيليكون فالي»، أكبر بكثير من الأرقام التي يتداولها ذوو التعليقات المشينة في الشماتة. من رحمة الله ولطفه، لا تقاس الخسائر البشرية القليلة نسبيا في هكذا كوارث، بالخسائر المادية والمالية الفادحة التي بلغت نحو مئة وخمسين مليارا بحسب التقديرات الأولية. حتى ساعة إعداد هذه السطور، ارتفع عدد الضحايا الى أحد عشر قتيلا، بينما ما زال ثلاثة عشر في عداد المفقودين. لم تشغل الصحافة الأمريكية ولا العالمية نفسها في أوضاع ضحايا الحرائق القانونية -مواطنين أم مقيمين غير قانونيين، ولا بأصولهم العرقية أو انتماءاتهم الدينية أو السياسية. كل ذلك من صغائر الأمور أمام حجم المأساة الإنسانية التي لا تختلف عن ضحايا الحرائق الحرجية التي يشهدها عدد من دول الشرق الأوسط بشكل شبه موسمي. تصغر العداوات والخصومات أمام الموت والمأساة لمن كان في صدورهم قلوب. والتعاطف مع ضحايا لا يعني انعدامه مع ضحايا آخرين، تلك من المغالطات التي يندى لها الجبين.

صحيح أن محاولة إقحام الدين والسياسة في تفسير أو توظيف الكوارث الطبيعية والبشرية ليس بجديد، إلا أن فوضى التنمّر عبر الشاشات والمنصات صبّت على النار زيتا، فيما انحدر البعض إلى مستوى التهوية على النار حتى تتسع ويشتد أوارها، في غفلة عادة ما تحرق الجميع.

وفيما يترك أمر التعامل مع النار والخطر بكل أشكاله مع ذوي الاختصاص من فرق الإطفاء والإسعاف، فإن ثمة رابطاً وثيقاً بين هيئات الإنقاذ والإنفاذ، إنقاذ الناس كافة وإنفاذ القانون كله دون استثناء. الشامت بالموت والمصائب حتى وإن أصابت الأشياء المادية فقط، خطر على نفسه قبل الآخرين. أولئك القلة لا يؤتمن جانبهم أبدا، ومن الأجدى إغلاق أبواب الكراهية ونوافذ الشر من حولهم.

مما يقلق في تفشي ظاهرة التشفي بما يسوء الآخر، هو بلوغ الخلل في المعايير إلى من يتوسم الناس فيهم خيرا بحسب شهاداتهم العلمية وخبراتهم العملية وفيهم من هو في موقع قيادي في مجتمعه، لا أقول قياديا بصفة رسمية بل من الناحية الاجتماعية، وأخص بذلك من يسمون «مؤثرين» وفيهم أسماء «شخصيات» صادمة!

ولأن «الكل في الهمّ شرقُ»، لم يخل حتى الفضاء الأمريكي من نظريات المؤامرة بشقيها السياسي والديني! هاجت وماجت المنصات بتأجيج السجال الملتهب منذ نحو عقدين في أمريكا بين اليسار واليمين، خاصة ملفات البيئة والتعيينات السياسية المؤدلجة على حساب الاستحقاق المهني الوظيفي ومعياره الأهم -لا الأوحد- الكفاءة، بين المؤمنين والملحدين واللاأدريين والداعين إلى الكف عن العبث في قاعدة الثواب والعقاب الإلهي -وهي حق لا ريب فيه- فيما يخص الكوارث الطبيعية والبشرية، كحوادث السير أو الإصابة بالأمراض أو غيرها من عاديات الزمان.

لإطفاء الحرائق، وكما يقال في الأمثال لا بد من إغلاق الباب الذي تأتي منه الريح أولا. ماذا تخسر بعض المنصات والمواقع من إغلاق باب التعليق على الأخبار التي نعرف جميعا كيف تُستغل للتنمر؟ وما هو أهم من الباب، النوافذ. فماذا لو تصدت المنابر الروحية والتربوية-التعليمية والثقافية لجذور هذه العقلية أو النفسية؟ أما آن الأوان لإفهام البعض أن الله واحد وأنه وحده سبحانه الديّان، وأننا جميعا خلقه وعياله (بمعنى أنه جل وعلا من يعيلنا ويرزقنا ويرحمنا). القضية غاية في الحساسية، فالعالم «يسمع ويرى»، وهناك من يحفظ في ذاكرته -السياسية والمالية- من كان معه، في الشدة، في الضراء قبل السراء.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير