يواصل الاردن مؤازرته لأهالي قطاع غزة منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي عليهم، إذ لم يتوان عن تقديم الدعم الإنساني والإغاثي والصحي لهم برا عبر شاحنات المساعدات، وجوا لا سيما الإنزالات الجوية، لكن الخطوة الفريدة من نوعها مؤخرا، كانت هبوط طائرات القوات المسلحة الأردنية -الجيش العربي على أرض غزة، إذ وصل مؤخرا، سرب من المروحيات الأردنية وهبط في جنوب القطاع للمرة الأولى خلال الحرب، محملا بأكثر من 7 أطنان من المساعدات الإنسانية، ويحتوي على معونات غذائية ومستلزمات صحية وأدوية ضرورية ومواد خاصة بالأطفال، حيث سلمت إلى برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة (WFP) الذي يوزعها بدوره على الفلسطينيين المعوزين بسبب طول أمد العدوان ومنع الاحتلال دخول المساعدات.
ويعتبر هذا الهبوط الأول من نوعه لدولة عربية في القطاع تقدم مساعداتها إلى الغزيين، حيث تم بتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني الذي بدأ فعليا بتسيير «الجسر الإنساني» إلى غزة الذي أعلن عنه مؤخرا في خطابه بالأمم المتحدة لإيصال المساعدات الطارئة هناك، فضلا عن تأكيده على ذلك في كلمته بالقمة العربية الإسلامية التي عقدت بالرياض خلال الشهر الجاري، داعيا الدول إلى الانضمام إلى هذا «الجسر» لتقديم كافة أشكال العون والمساعدة للأشقاء الفلسطينيين والوقوف إلى جانبهم في هذا الوقت الحرج.
وتزامنا مع ذلك، توالت ردود الفعل الفلسطينية والدولية على الموقف الأردني الكبير المتمثل في تحدي الاحتلال وكسر حصار الغزيين بإرسال سرب طائرات محملة بالمساعدات، إذ ثمن مدير منظمة رحمة حول العالم في قطاع غزة المهندس برهم القرا، دور المملكة في دعم وإسناد الشعب الغزي، خصوصا في ظل معاناته من مجاعة حقيقية يعيشها في هذه الأيام، مقدرا جهود المملكة المتمثلة بجلالة الملك والحكومة والشعب الأردني الشقيق على المؤازرة العملية للشعب الفلسطيني في ظل ما يتعرض له من أبشع وأصعب الحروب على مدار تاريخ البشرية.
وأكد القرا، أن «الأردن منذ بداية الحرب عمل على إرسال المساعدات بشكل أسبوعي عبر الشاحنات والإنزالات الجوية، ودشن خلال الأيام الماضية أول جسر جوي من خلال هبوط سرب من الطائرات في جنوب القطاع الذي يعاني من نقص شديد في المواد الغذائية وأبرزها أزمة الدقيق، الأمر الذي يرفع عن أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني بين نازح ومقيم بعضا من المأساة الكبيرة التي يمرون بها منذ قرابة 14 شهرا».
ولفت القرا، إلى أن «مؤسسات المملكة وعلى رأسها الهيئة الخيرية الهاشمية تعد من أبرز المؤسسات الشريكة التي تساهم فعليا في تخفيف آلام الغزيين ودعمهم، حيث تستمر في تقديم التبرعات والمساعدات وآخر هذه التبرعات كانت عبارة عن أطنان من الطرود الغذائية ومعونات أرسلت ضمن الجسر الإنساني الذي نفذته القوات المسلحة الأردنية تحديدا للأطفال وكبار السن والمرضى الذين يعانون من جوع حاد».
واحتوت المساعدات المقدمة من الأردن، على مواد غذائية مفقودة في الأسواق جراء حصار الاحتلال، أبرزها الدقيق والسكر والملح والزيت النباتي، وأنواع مختلفة من البقوليات، وحليب الأطفال، إضافة إلى كميات من الملابس والأحذية وعدد من الخيام . كما تضمنت مستلزمات النظافة الشخصية والتنظيف التي يفتقر لها القطاع، كل تلك المساهمات الأردنية الإغاثية تلبي احتياجات المواطنين وتحديدا النازحين المشردين، وفقا للقرا.
وشكر القرا، الاردن ممثلا بجلالة الملك عبدالله الثاني بالقول: «المملكة عودتنا دائما أن تكون ركنا أساسيا في مساندة الفلسطينيين خصوصا في مثل هذه الأوقات العصيبة التي يمرون بها»، مشيرا إلى أنه «يعلم الجميع ما يعانيه أهالي القطاع من جوع ودمار وفقر مدقع منذ أكثر من عام، والاحتياجات كثيرة، والعطاء الأردني متواصل، ومناشدا الأردن بضرورة إرسال المزيد من المساعدات خصوصا الدقيق إلى جنوب القطاع الذي طرقت المجاعة أبوابه من جديد.
بدوره، أشاد المستشار الإعلامي لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» عدنان أبو حسنة، بالدعم الأردني ومواقفه الكبيرة تجاه الشعب الفلسطيني وتحديدا قطاع غزة، قائلا «دعم المملكة لأهالي القطاع ضروري جدا في هذه الأوقات الصعبة التي يحتاجون فيها إلى كل شيء»، معتبرا أن «الأردن شريك استراتيجي للوكالة التي تقدم الخدمات الإنسانية والإغاثية لمعظم سكان غزة».
وأضاف أبو حسنة، أن «الأردن بقيادة الملك عبد الله الثاني مستمر في استكمال دوره الكبير في دعم سكان القطاع عبر مؤسساته الخيرية والتي لا تدخر جهدا في تقديم مساعداتها وخدماتها لهم»، مشيرا إلى أن «المملكة لها دور مركزي كبير في دعم وحماية الوكالة، فهي تقف بكل صلابة في وجه كل المحاولات التي تستهدف الأونروا وتصفيتها، حيث يؤكد جلالة الملك في جميع خطاباته على ضرورة استمرار الدعم لتتمكن الوكالة من تقديم خدماتها للاجئين بشكل متواصل».
وبين أبو حسنة، أن «الدبلوماسية الأردنية بقيادة وزير خارجيتها أيمن الصفدي في المحافل الدولية والإقليمية تلعب دورا مركزيا هاما من أجل حشد الدعم والتأييد لضمان استمرارية عمل الوكالة، كونها تعتبر عاملا لاستقرار المنطقة ومن الضروري جدا الاستمرار بخدماتها في غزة تحديدا، فهي تمثل لهم قيمة كبيرة ويجب الحفاظ عليها لأداء واجباتها»، موضحا أن «ما يقوم به الأردن هو امتداد للدور التاريخي الذي يقوم على دعم القضية الفلسطينية عموما».
وأكد أبو حسنة، أهمية المساعدات الأردنية في الحرب المستمرة على القطاع منذ قرابة 14 شهرا، حيث كانت من الدول السباقة وأولها في تقديم الدعم للوكالة، موضحا أن «الأونروا هي المنظمة الأممية الكبرى التي تعد شريان حياة للفلسطينيين، حيث تقدم العديد من الخدمات الأساسية التي لا غنى عنها مثل الغذاء والصحة والتعليم، وهي في الوقت الحالي تعتبر ضرورية جدا لأكثر من مليوني نسمة، الأمر الذي يجعل بقاءها في غاية الأهمية، وهو ما يعمل عليه الأردن على أرض الواقع».
من جهته، قال المتحدث باسم الهلال الأحمر الفلسطيني في قطاع غزة رائد النمس إن «الأردن يقوم بجهود كبيرة في دعم الشعب الفلسطيني، فالمساعدات الإغاثية لم تتوقف منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023م، فهو لم يكتف بالإنزالات الجوية، بل نفذ جسرا إنسانيا جويا لأول مرة أرسل خلاله سربا من الطائرات تحمل مساعدات عبارة عن طرود غذائية وإغاثية في ظل الأزمة التي يعيشها الغزيون، ما يعكس العطاء الكبير الذي يتحلى به الأردن تجاه القضية الفلسطينية».
وأضاف النمس، أن «الاحتلال يمنع دخول الشاحنات المحملة بالمساعدات من خلال استمراره في إغلاق المعابر البرية مع القطاع، الأمر الذي أدى إلى زيادة المعاناة على السكان»، مبينا أنه «أثناء فترة مرور المساعدات من معبر رفح البري جنوب القطاع، دخلت العديد من الشاحنات الأردنية التي تحمل المواد الغذائية والصحية والإغاثية، ما ساهم في توفير الحد الأدنى من مقومات الصمود للمواطنين، وهي جهود مقدرة يلامسها الغزيون في حياتهم اليومية، حيث لها أثر حقيقي كونها تساعد على إمداد الفلسطينيين بالطعام والأدوية غير المتوفرة».
وأشار النمس، إلى أن الأردن له تجربة نفتخر بها ونقدرها في دعم المجال الصحي، فهو أعاد تأهيل بعض مستشفيات القطاع التي خرجت عن الخدمة وتحديدا في شماله، الأمر الذي ساهم في التخفيف من معاناة المواطنين في ظل الافتقار الكبير للمراكز الصحية بعد تدميرها من الاحتلال خلال الحرب المستمرة، مؤكدا أن المستشفى الميداني الأردني له دور كبير في مساعدة المنظومة الصحية في تحمل عبء الحرب الإضافي عليها، حيث ساعد على تقديم العديد من الخدمات الصحية لمئات الآلاف من المرضى والجرحى.
وثمن الغزيون الخطوة الأردنية الأصيلة التي اعتبروها عضدا لهم في وقت أزماتهم، إذ قال المواطن حسن جودة، إن «إرسال الأشقاء الأردنيين سربا من الطائرات المحملة بمواد إغاثية عاجلة يأتي في وقت نعاني فيه من الإبادة الجماعية والحصار والدمار والجوع الشديد الذي هتك أجسادنا»، مضيفا أن «تلك المساعدات تلبي احتياجاتنا خصوصا الأطفال والنساء وكبار السن، في ظل شح المعونات والبضائع الغذائية والتموينية في الأسواق وارتفاع أسعارها».
وأشار جودة، إلى أن «ما حدث ليس غريبا أو جديدا على أشقائنا الأردنيين فهم يحرصون دائما على ملامسة معاناتنا وأوجاعنا بإجراءات عملية وتطبيقية، ففي بداية الحرب نفذت القوات المسلحة الكثير من الإنزالات الجوية التي كسرت حدة الجوع آنذاك، فهم منحونا الثقة بأننا لسنا وحدنا»، موضحا أن «الكرم الأردني له أثر معنوي كبير في نفوسنا، حيث لأكثر من 400 يوم للحرب المستمرة ما زال الأردنيون قيادة وحكومة وشعبا يقفون بجانبنا ويدعموننا بمختلف المجالات».
وأشاد جودة بالدعم الأردني غير المحدود لأهالي القطاع، موجها شكره للمملكة الشقيقة وعلى رأسها جلالة الملك لمساندتهم المستمرة، موضحا أن النهج الأردني واضح وصريح في دعم القضية الفلسطينية وهو ما يؤكد عليه في كافة المحافل الدولية. أما الفلسطيني عبد الرحيم لبد، فأكد، أن «هبوط الطائرات الأردنية في مكان يعتبر الأعنف والأخطر في الوقت الراهن كي تساندنا وتدعمنا وتقول لنا نحن معكم ومنكم هو تجسيد للمواقف العملية في الميدان، وموقف جديد يضاف إلى الكثير من المواقف الشجاعة والكبيرة التي تسعى لتخفيف معاناتنا من ويلات الحرب». وشدد لبد على أن «نشامى الأردن يثبتون مجددا أصالتهم من خلال دعمهم الذي لم يتوقف يوما حتى في أحلك وأصعب الظروف التي مرت بها القضية الفلسطينية بكافة الوسائل والطرق المتاحة»، معبرا عن فخره بالأشقاء الأردنيين الذين يساهمون بشكل كبير في التخفيف من جوعنا وعطشنا ومأساتنا المتزايدة جراء تواصل الحرب من خلال عطائهم وكرمهم. وتجدر الإشارة إلى أن الأردن يستمر في تقديم الدعم إلى الأهل في قطاع غزة عبر طرق مختلفة، إذ بلغ إجمالي ما جرى إرساله من المساعدات نحو 57,210 اطنان، من المواد الغذائية والإغاثية والأدوية والمستلزمات الصحية والطبية، فيما وصل عدد الإنزالات الجوية الأردنية 123 إنزالا و266 إنزالا جويا بالتعاون مع دول شقيقة وصديقة.