النسخة الكاملة

"جفرا " تفتح ملف انتشار التسول في العاصمة واستخدام "قُصّر" للنشل

الخميس-2024-11-14 10:46 am
جفرا نيوز -
محمود كريشان

تزايد في أعداد المتسولين والمتشردين، الذين باتوا يتخذون من شوارع المدينة وساحاتها وحدائقها وحتى الشوارع الفرعية فيها مكاناً لاستجداء التعاطف وكسب المال، وعدتهم ثياب رثة وقطعة بسكويت أو علكة وغيرها، ومقدرة على التحاور والاستجداء من المارة لإعطائهم النقود، واللافت الأساليب المتنوعة في التسول من أطفال صغار تتراوح أعمارهم بين الأربع سنوات حتى العاشرة، وهؤلاء مهمتهم السير في الشارع وطلب المال، أما الأعمار الأكبر والتي جاوزت الأربعين عاماً سواء من النساء وحتى الرجال فأساليبهم مختلفة وأماكنهم ثابتة وعدتهم تتموضع على الشارع بأشياء بسيطة، وكلماتهم يختصرونها بطلب المساعدة المادية والحاجة كونهم مرضى أو معيلين لعائلة، ومأواهم بالآجار، وغير ذلك من الادعاءات..!.

لكن نحن لا نرضى ان تتحول أرصفة شوارع وسط البلد، مستقرا لظواهر خطيرة وشائهة، تعكس مشاهد لا تليق بالعاصمة، أمام الزوار والضيوف والعابرين والمجموعات السياحية الأجنبية التي لا تتوانى كاميراتها عن رصد تلك الصور الكريهة، في ظل أداء "خجول" من كافة الجهات المعنية الرسمية!!.. حيث ان المشهد مأساوي بكل ما تعنيه الكلمة، وانت ترى التواجد المكثف والإنتشار المؤلم، لمئات المتخلفين عقليا والمشردين والمتسولين والذين إستوطنوا "قاع المدينة" وهم عاثوا فوق أرصفتها وشوارعها بملابسهم الرثة وشعور رؤوسهم التي إسترسلوا في إطالتها بصورة مرعبة جدا، وما يرافق ذلك من تصرفات خادشة للحياء بعضها الآخر..!.

مشاهد خطيرة

"جفرا نيوز" وعبر أيام من التواجد وسط البلد رصدت المشهد الذي يعد من المشاهد السلبية في العاصمة، في ظل غياب كامل أطراف الجهات ذات العلاقة، الامر الذي اسهم - ولا يزال - بانتشار المزيد من المرضى النفسيين والمصابين بإعاقات عقلية، والمتسولين ليكون قلب العاصمة مستقرا لهم جميعا!..
تتواصل المشاهد "غير الحضارية".. فهذا شاب ثلاثيني يمشي على امتداد شارع الملك فيصل الاول وقد اطلق العنان لشعر ذقنه بصورة عشوائية وملابس بالية ويقوم بعمل حركات من العاب قتالية "كراتيه وتايكواندو" وهو من "النوع الشرس" حيث تبدر منه حالات هيجان تجعله يعترض المارة ويحاول الاعتداء عليهم دون ان تتدخل اية جهة للسيطرة عليه!.. ونرى شابا آخر يركض من بداية سوق الذهب بشارع فيصل الى شارع السلط ذهابا وايابا يتخيل انه يقود دراجة هوائية ويمشي بتعرجات ويرتطم بالمارة في لجة انفعاله وخياله الذي جعله يعتقد انه فوق دراجة هوائية!..
"شر البلية ما يضحك".. كما يقولون، ذلك إذا ما علمنا أن احد المتخلفين العقليين بلحيته الكثيفة وملابسه الطريفة وفوق ما يعانيه من اعاقات عقلية يقوم بتناول الخمور كلما توافرت له نقود يحصل عليها عن طريق الإستجداء والتسول، فيما نرصد حالة عبثية اخرى لرجل يترنح وسط الجزيرة الوسطية بجانب البريد المركزي أمام المحال التجارية وهو يقوم بتصرفات لا أخلاقية..!
الأمر لم يتوقف عند هذه الحدود، بل ان هناك عددا من المختلين عقليا وهم وافدون تسربوا من مخيمات اللجوء الانساني ليستوطنوا شوارع عمان القديمة، يستجدون المارة بطريقة مزعجة يتخللها الشتائم النابية بلهجات شعبية محكية في بلدهم، ذلك كله وغيره يتم في ظل غياب صارخ لكافة اشكال الرقابة على الاطلاق..!

 أطفال مشردون

ايضا.. في وسط البلد تجد الاطفال المشردين ينتشرون في اسواقها وازقتها وشوارعها بعد ان تقطعت بهم السبل، ليكونوا عرضة للاستغلال بكافة جوانبه، بل ان بعضهم يمتهن النشل والسلب والتسول في آن واحد، وللتوثيق ايضا.. ما على من يهمه الأمر الا ان يذهب الى المنطقة المواجهة للبريد القديم في شارع الأمير محمد أمام مطاعم الوجبات السريعة وفي ساحة كشك الجاحظ، ليشاهد المشردين من الاطفال الوافدين الذين يطاردون زبائن المطاعم لمنحهم النقود ويطلقون العبارات النابية ضد من يرفض منحم النقود، كذلك يتواجدون في دخلة البنك العربي وحلويات حبيبة في شارع فيصل بالاضافة لتواجدهم في محيط دخلة النجاح ومطحنة الحمصي قرب البنك الاهلي في شارع الرضا..!

 شهود عيان

في غضون ذلك قال الدليل السياحي محمد الفراعنة لـ"جفرا نيوز" الذي كان يرافق مجموعة سياحية من المانيا تزور وسط البلد ان ظاهرة غير حضارية تتمثل بالانتشار اللافت للمرضى النفسيين والمتخلفين عقليا على حد سواء، في معظم مناطق وسط البلد، التي تعج بالسياح العرب والأجانب في هذه الفترة بالذات بل وان هذا المشهد العبثي قد اصبح صيدا لكاميرات الاجانب وعدسات المصورين والمحطات الفضائية المتعددة.

هذا الأمر اكده حمادة قرادة مالك صالون حلاقة حيث اشار الى ان هؤلاء المعتلين نفسيا والمعاقين عقليا يتجمعون في قاع المدينة بهيئات رثة تثير الخوف وبعضهم من النوع الشرس الذي لا يتوانى عن اعتراض المارة، والبعض يمارس افعالا خارج سيطرتهم لكنها خادشة للحياء بصورة صارخة واخرون هربوا من ضغوط نفسية أوصلتهم الى حالات نفسية لم يجدوا منها ملاذا سوى التقوقع في مناطق عمان القديمة على الادراج وابواب المحال التجارية وجولات راجلة على ارصفة الشوارع!..

التسول ملف خطير

الى ذلك.. وبعيدا عن التصريحات الإعتيادية لكافة المسؤولين عن ملف التسول الشائك.. حيث بدأت في الآونة الأخيرة ظواهر سلبية «تستوطن» في اكثر من منطقة في العاصمة، أبرزها واكثرها شيوعا التسول، وقد تحول الأمر في ظل غياب رقابة الجهات المعنية، من حاجة الى مهنة وعمل منظم، وسط اعتقاد المواطنين بأن جهة منظمة أصبحت تدير المتسولين الذين اصبحوا يعملون على نظام الورديات.

وامعانا في التوثيق على صحة ما ندعي، فإن «جفرا نيوز» رصدت مشاهد تؤكد أن أعمال التسول أصبحت «منظمة»، حيث تقوم سيارة في ساعات الظهيرة بتوزيع وجبات الغداء الجاهزة على المتسولين والمتسولات في أماكن تواجدهم، بخاصة في الدوار الرابع في جبل عمان، وتحديدا أمام مداخل مستشفى الخالدي والعيادات الطبية المنتشرة هناك، والتي يتردد عليها المرضى الميسورون والعرب الذين يزورون الاردن بهدف العلاج.

والاخطر ان ظاهرة التسول غالبا ما تكون مدخلا لانحرافات سلوكية قد توصل صاحبها الى اللصوصية وربما الاجرام، فالمتسولون أشبه بـ"القنابل الموقوتة"، ذلك ان الانحراف ينمو نحو السرقة والجريمة بصمت، وتزداد خطورتها وتصبح جاهزة للانفجار في اي وقت اذا ما توفرت عوامل اخرى تسهل وتسرع عملية الانحراف، من قبيل الإهمال والتهميش وصحبة أرباب السوابق الذين ينقلونهم الى خانة المتسولين المنحرفين ومن ثم خانة المجرمين ومن هنا تبدأ مسيرة الانحراف الصارخ!.

 تأجير الأطفال

تتنوع حالات التسول، لكن الشائع منها، وضع طفل مصاب بإعاقة أمام متسولة تخفي ملامح وجهها وهي تفترش رصيف المشاة وتردد عبارات على مسامع المارة: عشان الله.. لله.. عشى لها اليتيم ..، مع التأكيد على أن العمل منظم، حيث تقوم احدى المتسولات بتحريك افراد مجموعاتها عبر الاتصالات الخلوية، وتجري عملية التنقل بينهم الى مواقع جديدة في قاع المدينة، وكذلك الاتصال للاختفاء في حال الإستشعار بوجود فرق مكافحة التسول..!.
ولا تدهش إن طالعت مسوحات سابقة لدوائر مكافحة التسول، حيث أكدت أن 75 بالمائة من المتسولين وبائعي الإشارات أغنياء عن الاستجداء ويزيد دخلهم عن خط الفقر ويمتلك معظمهم منازل وسيارات ومصادر دخل ثابتة،وهذا ما اكده التاجر مجدي الحمصي في شارع الرضا، بأن متسولا كهلا يقوم بتبديل عملات معدنية تصل الى نحو 100 دينار يوميا من محله في ساعات المساء، ذلك عدا العملات الورقية التي بحوزته.
 تأجير الاطفال والمرضى
في مشهد يفتقر لكافة القيم الإنسانية تقوم بعض المتسولات اللواتي يتواجدن بانتظام في كافة مناطق وسط البلد بتداول طفل مريض على عربة بمقعدين لاستجداء المارة واستدرار عطفهم على الطفل المصاب بإعاقات مرضية متعددة وظاهرة للعيان، والمفجع في القضية وتتبعت تفاصيلها أن المتسولات يقمن باستخدام ذاك الطفل من والدته المتسولة هي الاخرى أيضا، حيث تتقاضى هذه الأم المنزوعة من قلبها الرحمة والأمومة والعطف مبلغ ثلاثة دنانير للساعة الواحدة، دون ان يرتعش ضميرهن شفقة على الطفولة المهدورة.

تسول وسرقة

وجنحت ظاهرة التسول في الاردن في المرحلة الاخيرة نحو مناح خطيرة من الناحية الأمنية من خلال التجوال في الاحياء وطرق أبواب البيوت بدواعي التسول واستجداء عطف الآخرين ليكون ذلك وسيلة لارتكاب سرقات البيوت، لا سيما تلك التي يكون سكانها غير موجودين فيها أو التي يوجد فيها عجزة وكبار سن في ظل غياب لافت للرقابة والتفتيش من قبل فرق مكافحة التسول.

كما يمتهن المتسولون التواجد في محيط أجهزة الصراف الآلي في أكثر من مكان في العاصمة حيث تترصد عيونهم المواطن الذي يأتي لسحب مبلغ من المال وتتبعه المتسولة او المتسول بدواعي الاستجداء والحاجة الى أن يصل الى مكان شبه معزول، عندها يتحول المتسول الى لص بارع في نشل المواطن والفرار من موقع الحادث والتغيب عن التردد على المكان ذاته لأسابيع عديدة.

أما عن التسول في وسط البلد، فحدث ولا حرج، حيث تكتظ جميع مناطق قاع المدينة بالمتسولين من الجنسين، ويرتبطون ببعضهم بعلاقة أو صلات قربى، حيث يستثمر المتسولون النشاط السياحي المتصاعد في عمان القديمة في ممارسات مستفزة تبدأ منذ ساعات الصباح الباكر وتصل ذروتها في أوقات الظهيرة. ويستمر مشهد انتشار مكثف للمتسولين الذين يطغى عليهم العنصر النسوي حتى ساعة متأخرة من الليل وفق اساليب مبتكرة تحمل في طياتها الخداع.

وإلى جانب ذلك، تنتشر متسولات هذه الأيام مع بدء تدفق الزوار العرب الى الاردن، ينشطن بابتكار طرق جديدة للتحايل واستغفال المحسنين، حيث يصطحبن أطفالا رُضعا ويحرصن على ارتداء الملابس الرثة والبالية والتركيز على التواجد عند الاشارات الضوئية في الشوارع الرئيسة المؤدية الى المناطق الراقية من العاصمة، كما يحرصن على انتقاء السيارات الفارهة، مع التأكيد هنا أن المتسولات يقمن باستخدام الأطفال الرضع او المصابين بإعاقات متعددة مقابل مبلغ محدد يدفع للمؤجر وبالساعة.
المشهد طافح بالسواد، بخاصة عندما يصل الأمر الى الاستجداء المزعج بالضرب على زجاج السيارات ومطاردتها عندما تفتح الإشارة الضوئية، فيما يتظاهر بعض المتسولين بالتعفف من خلال بيع العلكة والسلع الأخرى على الاشارات لخداع ضحاياهم بأنهم يلجأون الى طريقة مشروعة وكريمة لكسب العيش.

 الجميع يُخلي مسؤوليته..!

وأمام هذه المشاهد الخطيرة وغيرها.. لا تزال كافة المفاصل الرسمية والحكومية المعنية قاصرة تماما عن اداء دورها الرقابي تجاه هذا الانحراف الخطير، حيث تقف الوزارة وكافة الجهات الرسمية المعنية مكتوفة الايدي امام هذه الظاهرة المتنامية، وتتقاذف المسؤولية، حيث أكد مصدر مسؤول في وزارة الصحة ان الوزارة تولي الأمراض النفسية والاعاقات العقلية اهتماما كبيرا وتقدم لهؤلاء المرضى خدمات الطب النفسي من خلال استقبالهم في المراكز الطبية المتخصصة بعلاج ورعاية مثل تلك الأمراض، مؤكدا أن تواجد وانتشار هؤلاء المرضى في الشوارع ليس مسؤولية الوزارة بل مسؤولية جهات أخرى معنية بمكافحة تلك الظواهر، لأن وزارة الصحة ينحصر دورها في استقبال من يراجعها من المرضى العقليين والنفسيين لتقديم الرعاية والعلاج لهم بصورة فورية..!

 صرخة إدانة

نفتح الملف على مصراعيه، ليكون صرخة ادانة لكافة الجهات المعنية وعلى رأسها وزارتا (الصحة) و(التنمية الاجتماعية) والتي يكتفي المسؤولون فيها على اطلاق اعتيادي لتصريحاتهم الاعلامية، ينفون ويؤكدون ويتابعون دون ان يتم اي اجراء حقيقي على ارض الواقع، ليبقى المشهد على ما هو عليه بسوداويته محاطا بالفوضى والاهمال..!!..
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير