النسخة الكاملة

الحكومة تقوم بهبوط اضطراري بقوانين العمل..والضمان بأحضان النواب الجدد .."والميّة تُكذّب الغطّاس"!

السبت-2024-09-05 09:58 am
جفرا نيوز -
عصام جلال مبيضين

قامت الحكومة بهبوط اضطراريّ في مطار التشريعات مجددًا، حيث دفعت بمشاريع قوانين الضمان الاجتماعيّ والعمل، وقبلها؛ قولبة ديوان الخدمة المدنيّة، وتغيير آليات التوظيف، والإحالات على التقاعد على سن 60 ، وتكثيف احالات التقاعد المبكِّر بالقطاع العام، يضاف إليها تفعيل ملف ؛ الطرق مدفوعة الأجر ، ودمج الدوائر الحكوميّة ، وغيرها من القرارات. الاقتصادية ….إلخ .

كل ذلك يجرى ضمن بلورة تكوين شكل اقتصاد السوق الحر، ودعم القطاع الخاص ،وإنهاء أشكال الرعاية ، بالنمط السابق عبر (لبرلة) حبّة زيادة بنكهة محليّة، وتوليفة مقنعة مع توصيات دولية ، بشكل مباشر او غير مباشر.

 
 
قانونا الضمان الاجتماعيّ والعمل، واللذان يمسّان كلّ أسرة هما الان في مطبخ ديوان التشريع والرأي بالرئاسة ،( مليون ونصف مشترك وحوالى 300 الف متقاعد) ، وسيحظيان باستقبال من النوّاب الجدد ، وسط توقعات بمواجهة حكومية ــ برلمانية مبكرة ، والنواب الجدد الذين أشبعونا انتقادا ، وأحزابهم كلامًا ومهرجانات وزركشات وتنظيرًا ،وخطابات وبرامج وخطط ،. امامهم القوانين المهمة.. وإنّ غدًا لناظره قريب " فالمية تُكذِّب الغطّاس"

على العموم؛ فإنّ المشاريع القادمة، كما أنّ حبر القوانين السابقة الخاصّة بالعمل وبالضمان، والمنبثقة من رحم قبة (العبدلي) لم تجف بعد، ولكنّ شرّ الأمور محدثاتها، فعمر قانون العمل الاخير (8) شهور، أي لا زال في مرحلة الخداج، بالتعبير المجازي، ما يعني أنّه يحتاج إلى حضانة، فيما قانون الضمان لا يزال يحبو منذ سنة و(8) شهور، فما الذي جرى؟ وما الذي سيجري ؟ ضمن سياسة اقتصاد السوق الحر، والاشتراطات الدولية ، وتغير القا نون 5 مرات تقريبا ، خلال 10 سنوات ،... وكل ذلك يجرى ونهج والعرض والطلب هو السائد ، والمرتكز على قاعدة ..."دعه يعمل دعه يمر.!"

 
والغريب في الموضوع؛ أنّه قبل شهر تقريبا ، دب البنك الدولي الصوت عاليًا؛ عبر دراسة حديثة، كاشفًا أنّ هناك ارتفاعًا في وتيرة التعديلات التشريعيّة في الأردن، مقارنةً ببلدان أخرى، موضحًا بأن التعديلات المتكررة والمفاجئة؛ تؤدّي إلى عدم القدرة على التنبؤ بالتشريعات، وإلى تحميل تكاليف كبيرة للمواطنين والشركات، ...الخ

الدراسة حملت عنوان "مؤشر القدرة على التنبؤ وتناسق التشريعات"؛ وهذا المؤشّر يقيس مدى تناسق القوانين على أساس نسبة المعدل منها بعد عام واحد من اعتمادها، ويقيم القدرة على التنبؤ عبر التناسق الملحوظ في تفسير اللوائح التجاريّة. .

وأشارت الدراسة في تناولها لهذا المؤشر، الذي يرصد التعديلات على القوانين والتشريعات خلال عام، إلى تعديل 30 بالمئة من التشريعات في غضون (24) شهرًا من إقرارها خلال الأعوام العشرين الماضية، وفي هذا النطاق؛ توصلت إلى أن البيئة التشريعيّة في المملكة، وفق تفسيرها؛ لا يمكن التنبؤ بها، أي أنها غير متوقعة .

وسط كل ذلك ؛ يُطرح سؤال ما الجديد لدى الدوار الرابع، لدفع مشاريع قو انين قانون العمل والضمان؟ ما هي الأسباب الموجبة كمشاريع ومقدمة للقوانين القادمة ، لطرحها إلى مجلس النواب القادم ، المتحمس والبرامجيّ الحزبيّ ،..ونواب من أصحاب الدم الحامي، على الأقل خلال الشهور الاولى من عمر المجلس ، لتكون مواجهة ناعمة والضرب بالقفازات بحلبة المناكفات بالعبدلي بلا تذاكر ورسم دخول من الجمهور ؟

 
وقد أفضت التعديلات الحكوميّة المقترحة على قانون الضمان الاجتماعيّ، إلى احتساب نسب بدل التعطل عن العمل، وتخفيض نسبة بدل التعطل عن العمل للمؤمن عليه خلال مدة التعطل، من 75% في الشهر الأول من آخر أجر خاضع للاقتطاع إلى 70%.

كما خفضت الاقتطاع من 65% للشهر الثاني إلى 60%، ومن 55% في الشهر الثالث إلى 50%، ومن 45% لكل من الأشهر الرابع والخامس والسادس إلى 40% من آخر أجر خضع للاقتطاع للمؤمن عليه.

وإن كانت هناك بعض الإيجابيّات في تلك التعديلات بالقوانين ؛ فهي المتعلّقة بصرف نصيب الزوج (الأرمل) من راتب تقاعد زوجته أو صاحبة راتب الاعتلال المتوفاة "في حال زواجه ويعاد له في حال طلاقه أو ترمله"، بعد التعديل المقترح للمادة (81) من القانون الأصلي السماح لغير الأردنيين بما في ذلك أبناء الأردنيات بالانتساب اختياريا في أحكام قانون الضمان الاجتماعي شريطة أن يكون مقيم في المملكة ولا تقل اشتراكاته عن (120) اشتراكاً. وغيرها

وبخصوص قانون التعديلات الجيّدة التي طرأت على القانون العمل، زيادة إجازة الأمومة للعاملات في القطاع الخاص من (10) أسابيع إلى (90) يومًا، بدعم من البنك الدولي،... تضمن التعديل وقبلها توجيهات وإصدار توجيهات جديدة للشركات كي تدرج سياسات مكافحة التحرش الجنسي، ضمن لوائح العمل بها ضمن مطالبات دولية صدرت ونشرت ، لذا؛ فإن التحركين الأخيرين، إذا طُبقا بالشكل الصحيح؛ من شأنهما تقليص العقبات التي يضعها التحرش، أمام مشاركة المرأة في النشاط الاقتصاديّ. ...الخ.

وانسجاما مع إلغاء ديوان الخدمة المدنية والتوظيف وفرض العقود السنوية ؛ بالقطاع العام أعطت وزارة العمل بالقطاع الخاص بالقانون صلاحية إقرار الفصل التعسفيّ من عدمه للعامل، و خلافًا للقانون الحالي الذي أعطى الصلاحية للقضاء؛ وهو الضامن الأفضل للعامل.

 
التعديلات أعطت صاحب العمل صلاحية الاستغناء عن خدمات ما يصل نسبته إلى (15) في المئة من العمال لديه سنويًا، دون العودة إلى وزارة العمل، فيما القانون الحالي ينص على أنه لا يجوز تسريح أيّ عامل أو إعادة هيكلة للمؤسسة أو المصنع إلا بموافقة وزير العمل

وتمنح التعديلات الجديدة لصاحب العمل الذي تقتضي ظروفه الاقتصادية أو الفنية تقليص حجم العمل أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقف نهائيًا عن العمل بـ”إنهاء عقود عمل ما لا يزيد على (15 في المئة) من عدد العاملين لديه ولمرة واحدة فقط في السنة، شريطة إبلاغ الوزارة،, و بذلك التعديلات خفضت مدة تغيب العامل عن عمله دون سبب مشروع لعشرة أيام متصلة أو متقطعة خلال سنة واحدة، علما أن القانون الحالي ينص على مدة 20 يوما متقطعة ...الخ.

اعتبر محلّلون ومختصّون في الحمايات الاجتماعيّة التعديلات الأخيرة مساسًا بحقوق طبقة العاملة، كما رأت نقابات عماليّة ومهنيّة أنّ التعديلات تضمّنت موادًا فيها انتقاص لحقوق العمال، وتهديدًا لمصالحهم، كما أنها تؤثر سلبًا على استقرار بيئة الأعمال وتلحق الضرر بمنظومة الاقتصاد الوطنيّ .

وأوضحت تلك النقابات أنّ التعديلات التي طرأت على الفصل التعسفيّ في العمل، وإنهاء عقد العمل غير المحدد المدة؛ لم تراع مصالح العمال وحقوقهم، ولها آثار سلبية على استقرار بيئة الأعمال، وتوازن علاقات العمل، بشكل يفاقم ظاهرة البطالة ويهدد الاستقرار الوظيفي للعاملين

كما بيّنت أنّ التعديلات لها آثار سلبية على استقرار بيئة الأعمال وتوازن علاقات العمل ذلك، إذ ليس هناك من ضمان كي يقبل الموظفون طوعًا على الصيغ المتوقع طرحها عليهم للعمل بجزء من الراتب مقابل ساعات أقل أو دفعهم إلى التقاعد المبكر، والالتحاق بالقطاع الخاص، فاعتبارًا للركود الاقتصاديّ العام؛ قد تعني مغادرتهم الوظائف الحكومية، وانخراط أعداد متزايدة في الأنشطة غير النظاميّة التي تشكل بعد نصف الاقتصاد تقريباً.

والغريب أنّه خلال (25) عامًا الأخيرة؛ تم فتح قانون العمل للتعديل (12) مرة، بعد إقرار القانون رقم (8) لعام (1996) مع تركيز الحكومات المتعاقبة على تعديل مواد معينة تختص بزيادة الرسوم والمخالفات؛ ما أعطى طابع التركيز على الجباية.

 
 
على كل حال هذه هي الوقائع ضمن سياسات حكوميّة تتارجح في خضم أزمة اقتصاديّة حادة وطاحنة، والتي تتطلب من الحكومة عدم المغامرة، على وجه الخصوص بقوانين دون التشاور والحوار مع النقابات ؛ أنّ هذه الأزمة تتزامن والظروف الإقليميّة التي جففت الموارد، وبالتحديد؛ المتأتيّة من قطاع السياحة، فيما لا تزال شروط البنك وصندوق النقد الدولي المُصاحبة للقروض هي نفسها في كل مكان بالعالم : تقشّف، وتحرير تقليص الإنفاق العام من أجل خدمة الدين، وتحرير القطاعات الاقتصاديّة، تحرير سوق العمل، وتحرير التجارة، وحرية اقتصادية (العرض- الطلب) والعمل المرن ضمن تسهيلات الاستثمارات القادمة من وراء البحار ، التي تنعّمت بحريّتها الاقتصاديّة، دون أي تدخل حكوميّ.ومن المؤكد أنّ الخطورة بكل ذلك هي شيطان التفاصيل .

من الأكيد؛ أن الحكومة تتحرك تحت ضغط احتياجات آنيّة مفهومة ومخاوف واقعيّة من اهتزاز التوازنات، ولكنها تحتاج إلى رؤية بعيدة الأمد تتجاوز هنات الماضي والحاضر، وهي تحتاج إلى تدخلات استباقيّة، ووجود عقل سياسيّ استراتيجيّ قادرعلى توقع كل السيناريوهات، والتفكير بالاستجابات المطلوبة تجاهها

كل الفاعلين السياسيين يعرفون ذلك، ولكنهم لم يقرروا بعد -رغم كل صفارات الإنذار- للجلوس حول مائدة الحوار لمناقشة القوانين ، والاتفاق على النموذج الذي يرتؤونه، والاقتصاد الذي يودون بناءه ،والتفاهم على خطوط الحد الادني ، والالتزامات التي هم مستعدون لتقديمها من أجل ذلك

وهذه الامور تبدد مخاوف الناس التي في القلوب، ولم تنظقها الشفاة، بدون صفارات الإنذار، إن الوقت قد حان للجلوس حول مائدة الحوار، والاتفاق على نموذج للقادم، نحو المجتمع الذي يرتؤونه والاقتصاد الذي يودون بناءه، والالتزامات التي هم مستعدون لتقديمها من أجل ذلك.

لا يمكن الخروج من عنق الزجاجة، إن لم يكن الطموح أكبر من تأجيل الآجال وتسكين الآلام ،والمطلوب الحوار والتشبيك مع القطاعات المختلفة، للوصول الى قوانين متكاملة، ورزمة اصلاح شاملة ، بدون هبات انفعالية بضخ الادرينالين بالاجساد، ضمن خطة إصلاح متكاملة لتحفيز نسبة النمو فيها، وصوغ رؤى بعيدة الأمد، وان تطبيق ذلك ، يحتاج إلى سياسيين قادرين على استشراف المستقبل، وإقناع المواطنين بضرورة التضحيات القادمة.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير