جفرا نيوز -
د محمد العزة
يدور الحديث اليوم في هذا المقال ليس عن حزب سياسي أو مؤسسة ومظلة سياسية لجماعة ما لهم ألوانهم وأفكارهم وفلسفتهم السياسية التي تعتبر علامة دالة عليهم وعلى اتجاهات ونمط ونهج اداؤهم في مواقع المسؤولية بشقيها التنفيذية والتشريعية وآليات عملهم ، لكننا اليوم نتحدث عن تيار امتاز بطريقة أداء نهج ثابت ومتكرر دون اعتبار لتناوب أو تغير الأفراد على مواقع المسؤولية، ضمن ما يسمى النهج المحافظ ، ويكون محتكما إلى عناوين تحكمها التقاليد والعادات والموروث النابعة من ثقلها المجتمعي في تمثيلها السياسي داخل مواقع مؤسسات الدولة الرسمية، ويكاد ينقسم هذا التيار من حيث منظور تقييم الأداء إلى مرحلتين ، المحافظون الاوائل والمحافظون الجدد.
وترجمة لما جاء في مقدمة هذا المقال هو أن طبيعة نشأة الدولة الأردنية الهاشمية من عهد تأسيس الإمارة وحتى الى تاريخ إعلان استقلال المملكة اعتمد بشكل رئيس على دعم العشائر كرافعة وركيزة قوية وأساسية في تثبيت قواعد ودعامات الدولة و صناعة هيكلها وبسط سيطرتها وهيبتها على جغرافيتها لكن بقوام المؤسسية الحكومية وليس بصيغة الزعامة العشائرية بعد توحيد تلك الزعامات ومناطق نفوذها التي كانت تعود إلى الحقبة العثمانية التركية ، وهذا ما يعطي الانطباع الأولي أن الدولة الأردنية الهاشمية بنظامها الملكي الهاشمي وضعت في أولوياتها إرساء أساسات الدولة برسم حدودها وتوحيد جهودها في وحدة مناطقها وضم سكانها تحت مظلة واحدة تستوعب تنوعهم وعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم المجتمعية المحلية ، لتكون لاحقا دليلا ارشاديا ومعرفيا لوضع الأنظمة والقوانين التي ستلائم بيئة المجتمع بأبعاده المختلفة الدينية والسياسية والثقافية والأمر الذي سيؤدي بأن يخضع لها الجميع كوحدة واحدة تضمن مقومات تطور الدولة واحترام سيادتها وفرض هيبتها واستمرار مسيرتها والتفكير بوضع الخطط والبرامج التي ستضمن مواكبة احتياجات الدولة ومتطلبات كل مرحلة من مراحلها الزمنية والسياسية وكل ما يطرأ من حاجة إلى أدوات سواء نظرية بما يتعلق من تحديث أساليب نهج الإدارة أو مادية كتوفير معدات الحداثة والمكنكة ومظاهرها في كل مجالاتها صحة وتعليم و زراعة و شبكة طرق واتصالات و وسائل نقل وغيرها ، وهذا ما نجحت به الدولة الأردنية في وضع اساساته في مئويتها الاولى من خلال الاعتماد على نموذج متنوع فريد من نوعه من حيث القدرة على صهر تركيبة من أنماط الفكر السياسي من رجالات السياسة في منظومة السلطة الذين صاروا لاحقا من رجال الدولة وسلطتها ، فمن إمارة بقوام عشائري إلى مملكة بحكومة سياسية يقودها أفراد لهم مرجعية حزبية بمختلف أطيافها وايضا عشائرية شكلت نواة واحداثيات الحياة السياسية والهوية الأردنية العروبية للمملكة الأردنية الهاشمية ، هؤلاء وبالرغم من اختفاء الصبغة والحركة الحزبية وتوقف مشاركتها في تشكيل الحكومات الأردنية بعد إعلان الاحكام العرفية بالخمسينات نتيجة الصراعات العربية العربية واختلاف مرجعيتها الايدلوجية الفكرية واسهامها في اضطراب المنطقة ومحاولة تأثيرها على الأردن، ومن ثم تداعيات القضية الفلسطينية ، كانت حقبة الستينات نقطة البدايات لعقل الدولة لاطلاق فترة ونهج الدولة الأردنية للعودة إلى العشائرية والاعتماد عليها ضمن ما يسمى بالنمط المحافظ التقليدي لكن ليس بمفهومه المتعارف عليه في قاموس مفردات ادوات إدارة السلطة ، ولأن الاردن بحكمه الملكي الهاشمي ليس نظاما دمويا لم يلجأ إلى الحكم العسكري السلطوي ، بل استطاع أن يجمع جميع فرقاء واضداد السياسية وأطرافها من اليمين الى اليسار من داخل البيئة والحاضنة الأردنية ويصهرها ليشكلوا حكومات وان كان تحت الغطاء واللون العشائري إلا أن نبضها وروحها السياسي ظهر في اتباع النهج الاقتصادي الاشتراكي الرعوي ، و تم الحفاظ عليه إيمانا بأهمية الخلفية السياسية للحفاظ وترسيخ الحياة الديمقراطية وإعادتها إلى مسارها الصحيح ولكن بعد هدوء عواصف المنطقة ولو بعد حين ، هؤلاء جمعتهم ظروف واحداث المنطقة المضطربة ، ويقين مواجهات التحديات وواقعها السياسي الذي ألقى بظلاله على توفر الإمكانيات وكان الإصرار على أن لا بديل عن مسيرة البناء لهذا الوطن والايمان أننا في عين العاصفة واستطاعوا أن يجعلوا من الاردن حالة تستحق الدراسة جراء ما تحقق من إنجازات برغم ضعف الموارد وضحالة الإمكانيات وحالة عدم الاستقرار، إلى أن جاءت حقبة الثمانينات ، حيث كانت عنوان البناء والنهضة وترجمة أهدافها وخططها الخمسية وقد تحقق الكثير منها ، و استطاع الاردن بحكوماته ورجالها وقيادتها الهاشمية الحكيمة بترسيخ واقع الدولة الآمنة والمستقرة والمحافظة على كيانها ، لنقول أن تجربة الحكومات المحافظة ونهجها واذا استطعنا أن نصف رجالها مجازا بالمحافظون الاوائل الذين حققوا ذلك الانجاز بما له وماعليه ، ولكن يسجل عليهم بأنهم ولطول فترة حكمهم لم يعدوا قيادات من الصف الثاني لإدارة مرحلة الألفية التي دخلها الاردن بقيادة اردنية شابة طامحة جاهدة لنقل الاردن الى مرحلة الحداثة والمدنية والديمقراطية واكمال مسيرة البناء وجعله اولا في كل المجالات والذي عبر عنه الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه في أوراقه النقاشية الملكية التي شكلت رؤية وخطا عريضا وتكليفا للحكومات الأردنية المقبلة في ترجمتها إلى واقع يلبي تلك تطلعات وتطلعات اجيال الألفية من أبناء شعبنا الاردني العظيم بتعزيز ما أنجز والبناء عليه ، ولننطلق نحو دولة الإنتاج والاعتماد على الذات والمواكبة والمحافظة على الموروث ليكون دافعا ومصدرا للعمل بصدق وإخلاص ، لكننا اصطدمنا بعوامل خارجية وداخلية يعلمها الجميع أخرت عجلة التحول وكانت الداخلية هي الاكثر في مسؤولية التأخر والتأخير واهم أسبابها ظهور ما يسمى المحافظون الجدد الذين قادوا حكومات الألفية بأهداف أهمها ادخال الاردن الى مرحلة التحول الاقتصادي والسياسي معتمدين على إرث الماضي وإنجازاته والثقة بأنهم قادرين على تقديم الأداء بنفس المستوى من الإدارة وطول إقامتهم بين كاردورات السلطة التي أوجدوا لهم فيها أذرع وتفرعات مكنتهم من مفاصل حيوية في مؤسسات الدولة وأعطتهم من الصلاحيات تمكنهم من إقرار وسن القوانين التي تضمن تفعيل عملية التحول وأدواته ، هنا لم يتوافق النهج والموروث مع واقع المتغيرات ولم تجدي جميع النماذج المجربة مسبقا في إعطاء النتائج فما كان من هؤلاء الا الاستعانة بخبرات خارجية يمتازوا ويؤمنوا بنظريات سلوك العقلية الغربية في الإدارة الحكومية ، ونتج عن ذلك تحالف المحافظون الجدد و طبقة النيوليبرال نوعا جديدا من الحكومات الأردنية عرفت بما يسمى حكومات الديجيتال التي رفعت شعارات الاقتصاد الرأسمالي الليبرالي وإعادة الهيكلة والخصخصة والاستعانة بوصفات واجندة جاهزة خارجية ، لم تستوعب النظام الاقتصادي الاردني ولم يستوعبه ولم يراعي السلوك الاستهلاكي الاجتماعي لتدخل الدولة في حالة الاغتراب والاختلاط وضبابية المشهد واضطراب السوق وتراجع الأداء في الإدارة والتردد في اتخاذ القرار الذي ظهرت عليه ملامح التخبط في استخدام نماذج ومناهج لسياسات اقتصادية اعتمدت على اهمال عوامل الإنتاج والتركيز على فرض نظام ضريبي أدى في نهاية المطاف إلى تدني المستوى المعيشي وضعف ثقة الشارع في الأداء الحكومي بشقيه التنفيذي والتشريعي وتطلب الأمر مرارا تدخلا ملكيا الذي كان يؤمن ومازال يؤمن أن المشكلات والتحديات والصعوبات التي تواجه هذا الوطن والحل لتجاوزها لن يكون إلا وطنيا أردنيا لأنه الأقدر على فهمها وتحليلها وتشخيصها وطرح طرق علاجها ، ومن هنا جاءت قناعة الملك بأن لا مكان لمتثاقل أو ثقة لعاجز فاليد المرتجفة غير قادرة على صنع القرار وإيجاد الفرق وتحقيق الإنجاز ليطلق رؤيته وإرادته الملكية بعملية التحديث السياسي ومساراته التي كانت رسالة الفطام والفصام لكل من يعتقد أنه يمتلك حق المكافأة والمكتسبات دون أن يقدم لهذا الوطن حقه اولا الذي هو واجب عليه دون حاجة الانتظار إلى رد الاحسان بالاحسان الا وفق معايير المواطنة وميزانها ومفاهيمها ، وختاما نقول اننا في مرحلة بحاجة إلى الابتكار والتفكير خارج الصندوق للاستفادة ضمن الموارد الطبيعية والكفاءات الوطنية الأردنية المخلصة التي عهدها لهذا الوطن وقيادته الهاشمية الحكيمة بأن يظل عزيزا كريما آمنا مطمئنا مستقرا.