جفرا نيوز -
د. ماجد الخواجا
يعد مفهوم التطهير البشري قديما ربما قبل عهد الفلاسفة اليونان حيث ظهر في كتابات الحكيم «أرسطو»، لا بل جاء مع مجيء الأديان عبر استخدامه للإشارة على طهارة الروح والنفس والبدن.
وتطور المفهوم واستخداماته ليحمل أسوأ أشكال الشرور البشرية، وأصبح مرافقاً لكثيرٍ من الكلمات التي تلغي بشراً أو عرقاً أو فكراً أو مذهباً أو حزباً أو طائفة أو قبيلة أو سكاناً، فكان أن ظهرت مفاهيم التطهير العرقي، التطهير السياسي، التطهير الثقافي، التطهير الاجتماعي، التطهير الديني، وهكذا تلازمت كلمة تطهير من أجل تلطيف وقعها على الأسماع وكنوع من التضليل والاحتيال الإعلامي على الشعوب.
يُعرف التطهير العرقي Ethnic cleansing بأنه الإزالة الممنهجة القسرية لمجموعات إثنية أو عرقية من منطقة معينة، وذلك مِن قبل مجموعة عرقية أخرى أقوى منها، غالباً بهدف جعل المنطقة متجانسة عرقياً.
واشتهر مفهوم « التطهير العرقي باعتباره الأكثر شيوعاً ووضوحاً واستخداماً، ويمكن تعريفه على أنه: «محاولة إيجاد حيز جغرافي متجانس عرقيا بإخلائه من مجموعة عرقية معينة باستخدام القوة المسلحة، أو التخويف، أو الترحيل القسري، أو الاضطهاد، أو طمس الخصوصية الثقافية واللغوية والإثنية، عبر القضاء عليها نهائياً أو تذويبها في المحيط الإثني الذي يراد له أن يسود». ويعتبر فرويد هو أول من إستخدم عام 1895 مصطلح التطهير بمعنى التفريغ العقلي، وذلك عندما وصف طريقة علاجه لمرضاه المصابين بالهستيريا.
لقد حفظ لنا التاريخ الكثير مما يمكن أن نطلق عليه تطهير عرقي، وما سربرينيتشا في البوسنة والهرسك ببعيدة عن ذلك عندما تمت مجزرة في تسعينيات القرن الماضي راح ضحيتها أكثر من ثمانية آلاف مسلم بوسني على يد الصربيين.
وبالنسبة للصراع الفلسطيني الصهيوني، فقد تكونت سياسة التطهير العرقي من ثلاث مراحل: أولاً: إخلاء السكان الفلسطينيين من أراضيهم عن طريق القتل الجماعي والتهجير القسري. ثانياً: محو وإزالة كل ما يثبت الوجود الجسدي والتاريخي والثقافي للشعب الفلسطيني المهجر، وبذلك يتم محو تاريخهم الثقافي من المنطقة. ثالثاً: ضمان أن الشعب المستهدف الذي تم ترحيله، لن يتمكن من العودة إلى المنطقة التي هجر منها قسراً. لقد ارتكبت الحركة الصهيونية سياسة التطهير العرقي بجميع مراحلها ضد الشعب الفلسطيني وتركزت بين عامي 1948 و1949. وما زالت تمارس هذه السياسة بأشكال مختلفة حتى الوقت الحاضر. ويتضمن التطهير العرقي المسَّ بمقدسات المجموعة المستهدفة، وإجبارها على التخلي عن جوهر خصوصيتها، ومن ذلك الدين واللغة والعادات والميزات البدنية كالوشم، وتسريحة الشعر، وثقب الأذنين أو الأنف أو الشفاه، وغيرها، بل هناك من يتم منعهم من الإنجاب لأهداف تطهيرية.
لا توجد في القانون الدولي جريمة محددة اسمها التطهير العرقي أو الإثني، وإنما تقتصر الجرائم المعرفة والتي يمكن ارتكابها على نطاقٍ واسع على جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة.
لم تخل المجتمعات من جريمة التطهير العرقي بحق فئات أو شرائح من المجتمع أو من مجتمعات مجاورة، كانت محاكم التفتيش بعد هزيمة المسلمين في إسبانيا « الأندلس» تقوم وتبذل الجهود في سبيل طمس أية ملامح أو عادات أو أفكار أو ثقافات مما يحمل أثراً إسلامياً. أما التتار والمغول فقد أبدعوا في مسح البشر والشجر والحجر وأي فكر كانوا يجدونه في طريقهم عندما احتلوا ثلثي العالم القديم وأكثر. أما النازية فقد وضعت هدفاً لها تمثّل في « تطهير أوروبا من الوجود اليهودي».
وما زالت كثير من الشعوب والقوميات تتبنى فكرة المظلومية والإضطهاد لها من قبل جهة أقوى منها، فالكرد والأرمن والأذريين وقوميات متناثرة هنا وهناك تتبنى قضية أنها عانت من تطهير عرقي في مرحلة معينة. وجاءت فكرة «تطهير الأرض» لوصف الممارسات العسكرية التي يقتل فيها الأفراد جميعهم في الموقع بغرض « تنظيفه» أما رواندا فهي حكاية مليئة بالحقد والكراهية عندما جرت أكبر مجازر بشرية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي التي خلفت ملايين من الضحايا في قتل عشوائي عبثي.