جفرا نيوز -
عمر عليمات
الانتخابات البرلمانية على الأبواب ولا يفصلنا عنها سوى شهر تقريباً، ورغم ذلك ما زال المزاج الشعبي العام منفصلاً بشكل كبير عن المشهد، إلى الدرجة التي أصبح فيها حديث الانتخابات شبه مفقود من مجالسنا، واللامبالاة هي العنوان الأبرز لوصف الحراك الانتخابي الشعبي.
مع دخول القوائم الحزبية إلى السباق الانتخابي وبعدد مقاعد يقترب من ثلث البرلمان كان من المتوقع أن تشهد الساحة زخماً جديداً يضاف إلى زخم القوائم المحلية، فالمفترض بالانتخابات الحزبية وجود شخصيات سياسية واجتماعية ذات ثقل وتأثير وحضور شعبي، إلا أن كل ذلك لم يظهر على الساحة حتى الآن، بل على العكس هناك نكوص في الاهتمام حتى على مستوى القوائم المحلية.
لا خلاف على أن الجو العام في المنطقة وما يرتبط به من تصعيد وتحديداً تداعيات حرب غزة له دور أساسي في توجهات الناس واهتماماتهم إلا أن هذا السبب لا يمكن قراءته دون النظر إلى عمق المجتمع الأردني، الذي يتراجع اهتمامه بالمشاركة في كل دورة انتخابية، حتى مع التوجه الجديد الداعم للحياة الحزبية وتمكينها، ضمن منظومة التحديث السياسي.
الخمول الانتخابي مؤشر واضح على اللامبالاة وخيبة الأمل والإحباط المرتبط بدوافع اقتصادية واجتماعية، وما عزز من هذه الأمر الضعف العام في الأداء الحزبي، وعدم القدرة على طرح برامج ورؤى تحفز الناس على التفاعل مع المشهد الانتخابي، وتدفعهم إلى إعادة التفكير بجدوى المشاركة وأهميتها، وما زاد من الطين بلة، الأحاديث المتواترة عن آليات اختيار المرشحين في القوائم الحزبية، وما نتج عن ذلك من ترسيخ لفكرة عامة موجودة في المجتمع حول الانتخابات وروافع النجاح فيها.
آثار استمرار حالة الخمول الانتخابي تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد اللامبالاة وانخفاض نسب التصويت، بل إلى شكل المجلس المقبل والشخصيات التي ستجلس تحت قبة العبدلي في مرحلة مفصلية، فلا يجادل أحد بأنها مرحلة حرجة، قد تكون بوابة تغيير وجه المنطقة بأكملها، فما يحدث الآن له ارتداداته وأبعاده ونتائجه التي ستبدأ بالظهور لاحقاً شئنا ذلك أم أبينا، هذا إلى جانب احتمالية عودة الشعبوية الترامبية إلى البيت الأبيض، وما ستفرزه من ضغوط على الإقليم وخاصة على الأردن المرتبط عضوياً بالقضية الفلسطينية.
الخمول الانتخابي وإفرازات بعض الأحزاب والتكتلات الاجتماعية والعشائرية كلها عوامل من الطبيعي أن ينتج عنها مجلس ليس بمستوى المرحلة وقد لا يكون مجهز جيداً بخبرات وكفاءات قادرة على مواجهة التحديات المعقدة التي ستضرب الإقليم بأكمله.
كل ذلك يقودنا إلى ضرورة تدخل عقل الدولة الرسمي، والدفع بأدواته الإعلامية والاجتماعية والشعبية لتنشيط الجو العام، وإيضاح أهمية المجلس المقبل لسببين مهمين، الأول متطلبات المرحلة المقبلة والثاني إنجاح منظومة التحديث السياسي، ولا بُد من تبني نهج متعدد الأوجه يعطي الأولوية لتطوير منصات شاملة تتوافق مع اهتمامات الناخبين والاستثمار في التنظيم الشعبي والمجتمعات المحلية، وفتح حوار شامل يساعد في استعادة الثقة الانتخابية.
وسائل الإعلام عليها مسؤولية رفع جودة الخطاب العام، يتضمن تقديم تغطية متوازنة ومعمقة للقضايا الانتخابية، وتسهيل المناظرات، وتقديم منصات لأصوات ووجهات نظر متنوعة ولعب دور محوري في توعية الناخبين وتشجيع المشاركة.
باختصار، الخمول الانتخابي الحالي، إذا لم يتم معالجته بشكل فعال ومنظم سيؤدي إلى وجود مجلس منزوع الدسم السياسي، وجفاف في الكفاءات البرلمانية التي تمتلك خبرات وقدرات تشكل رصيد للدولة وتعزز من مواقفها لمواجهة التحديات المقبلة.