جفرا نيوز -
تعليق وتصوير: محمود كريشان
عمان.. مدينة صغيرة المساحة قياسا بعواصم أخرى، لكنها تنفرد عن غيرها بأنها "كبيرة بأهلها" الذين لا يدخروا جهدا لخدمة المدينة بشتى الأفكار الإبداعية والمباردرات الريادية والأعمال التطوعية، التي من شأنها تجميل وسط البلد وحماية الإرث والتاريخ العريق لعمان القديمة.
وهنا.. فإن الزائر الى شارع الملك حسين الشهير بـ"شارع السلط" وسط البلد وتحديدا بمواجهة مقر قصر العدل القديم ويمحاذاة مكاتب مصر للطيران، سيدهش عندما يتوقف عند رصيف المبنى رقم (45) والذي يضم مجمع شارع الملك الحسين الثقافي، ليتأمل مطولا المجسم الإحترافي الجميل، لأشهر رقيب سير ليس في الأردن فحسب، بل في الوطن العربي، المرحوم هزاع ذنيبات، وبجانبه مجسم اخر لسيارة مرسيدس عمومي تراثية (180) موديل الخمسينيات، كانت تعمل على ذات الخط الى العبدلي مرورا بشارع الملك حسين، عندما كان هذا السرفيس يحمل إسم خط رقم (7).
هذه الفكرة البكر و"غير المسبوقة" كانت نتاج إبداع مؤسس مجمع شارع الملك حسين الثقافي ومتحف آرمات عمان في ذات الشارع الفنان غازي خطاب، الذي أكد أن المجمع المفتوحة أبوابه للجميع "بالمجان" بكامل مقتنياته التي تروي حقب جميلة من تاريخ عمان القديمة، ويضم المجمع فيما يضم: أفيشات الأفلام السينمائية القديمة، مجلات نادرة وصحف قديمة جدا، بمانشيتات لأحداث مهمة بحُقب ملتهبة، وجدارية «من أقوال الدوق» ممدوح البشارات تحمل رشيق العبارات الإنسانية والوطنية، وصور كبار الفنانين الأردنيين في الزمن الجميل، وأخرى لوزراء الثقافة، ورؤساء البلدية وأمناء عمان، ومقتنيات من ذاكرة الإذاعة والتلفزيون الأردني، صور نادرة لعمان القديمة، طوابع من عصور ماضية، وميداليات ونياشين ونثريات توثيقية، فيما يضم الطابق الثاني، حكايات الخط العربي، ولوحات لكبار الخطاطين الأردنيين والفنانين التشكيليين وصالة لعقد ورشات "مجانية" لتعليم الخط العربي للأجيال الواعدة والهواة و"للجنسين" بإشراف أمهر الخطاطين والخطاطات.
مؤسس المجمع والمتحف الفنان غازي خطاب يشير دوما نحو الشكر والثناء لدوق المدينة الوجيه ممدوح البشارات الذي قدم البناء "مجانا" وبدون اي اجرة لإحتضان مجمع شارع الملك حسين الثقافي، قائلا بكل معاني الوفاء للدوق البشارات: هذا «الإنسان» في كرس وقته وجهده وماله وعقاراته، لخدمة عمان ورعاية الفنون، وكافة الأعمال الهادفة لعكس صورة مشرقة عن عمان "الدرة الهاشمية" وحماية تراثها الزاخر بالعراقة والجمال.
*من هو هزاع
ومن الجدير ذكره أن صاحب المجسم المنصوب على مداخل مجمع شارع الملك حسين الثقافي، هوالمرحوم هزاع عبد الحميد ذنيبات القادم من محافظة الكرك، وقد خدم في جهاز الامن العام منذ العام 1966 وحتى العام1984واشتهر بوجوده في مثلث جسر النشا - المحطة ذلك التقاطع الذي يربط عمان الشرقية بوسط البلد ومنها الى مناطق عديدة من العاصمة، وقد بدأ هزاع مشواره شرطيا عاديا اسندت اليه مهمة تنظيم المرور على احد اكثر الاماكن كثافة مرورية تضيق عن احتمالها حتى الاشارات الضوئية مثلث النشا، وتعامل هزاع مع هذه المهمة الصعبة، وادى مهمته من الوهلة الاولى بمهارة واحتراف وتفوق على الاشارات الضوئية في انهاء الازدحامات المرورية، وذاع صيته واصبحت صوره في المجلات العالمية من خلال السياح الذين يحرصون على التقاط الصور لرقيب السير الماهر.
*أطرف موقف
وعن اطرف موقف حصل معه كان هزاع ذنيبات قد قال في مقابلة سابقة مع «الدستور»: ان المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه كان قادما باتجاه راس العين وكنت انظم المرور على اشارة راس العين وقمت بايقاف السير دون ان انتبه الى الموكب الملكي وفي هذه اللحظة نزل احد ضباط الحرس ليعلمني ان جلالة الملك الحسين في السيارة وفي هذه الاثناء قدمت سيارة اسعاف تتبع لمستشفى باتجاه جبل عمان فاعطيت الاولوية لها، وقمت بعد ذلك بفتح الطريق امام الموكب الملكي وكان سرور جلالة الملك كبيرا لهذا التصرف الانساني وعندما وصل جلالته اديت له التحية العسكرية وقال لي: شكلك تعبان من ازمة السير!.. فقلت له: من يراك ياسيدنا تذهب همومه ولا يشعر بتعب وقد منحني هدية ملكية وامر بترفيعي الى رتبة رقيب حيث كنت برتبة عريف انذاك.
مخالفتان فقط
ويتميز هزّاع الذي خدم مدة طويلة في مكان واحد وهو جسر النشا بالمحطة، بأنه وخلال كامل خدمته العسكرية لم يحرر سوى مخالفتين مروريتين فقط، وفوق كل ذلك كان يتمتع بشهرة لم يسبقه اليها أحد من زملائه فهو يحوز على احترام جميع السائقين والمارة، فكانوا ينصاعون لأوامره وإرشاداته وإشاراته ويتقبلون تنبيهاته بكل رضا وحب.
ويذكر انه في حزيران عام 2016 كان الموت يُغيب اعرق مراقبي السير في الاردن المرحوم هزاع الذنيبات بعد مسيرة حافلة بالعطاء لسنوات طويلة موصولة في جهاز الأمن العام.
Kreshan35@yahoo.com
النسخة الكاملة
